"الجمهورية" تنشر تقرير لجنة التنصّت المُعدل في فرنسا
"الجمهورية" تنشر تقرير لجنة التنصّت المُعدل في فرنسا

يناقش مجلس الوزراء غداً مضمون التقرير الذي أعدّه الوفد اللبناني القضائي والأمني بنتيجة زيارته إلى العاصمة الفرنسية للإطلاع على آلية اعتراض المخابرات الهاتفية في فرنسا، باعتبار انّ القانون اللبناني قد تم نسخه من القانون الفرنسي مرفقاً بالتعديل المقترح على المادة الأولى منه تحقيقاً للخصوصية اللبنانية. وبعد الإشارة إلى الظروف التي دفعت إلى تعديل المادة الأولى، تنشر «الجمهورية» النص الحرفي للتقرير.

بعدما سبقتنا باريس في ميادين الخلوي وسبل الإفادة من تقنيات القطاع في الكثير من المجالات، ولا سيما الأمنية والاستخبارية منها، وما يمكن ان تقدمه من خدمات تتصِل بمعظمها في خدمة امن الناس والوطن ورصد حركة المجرمين والإرهابيين استباقاً لأي عمل ما، الى ما هنالك من وسائل التجسس على اقتصادنا وقطاعاتنا الحيوية المختلفة، كان لا بد لمجلس الوزراء، وفي عزّ الخلاف على طريقة استخدام داتا الاتصالات، من أن يشكّل بتاريخ الخامس والعشرين من تموز الماضي، وبعد ايام على محاولة اغتيال النائب بطرس حرب، لجنة قضائية فنية وتقنية وعسكرية للإطلاع على ما هو مسموح وما هو ممنوع الإطلاع عليه من داتا الاتصالات في فرنسا وسُبل حماية خصوصيات الناس وامنهم الخاص والأمن العام في آن.

الوفد اللبناني الذي ترأسه عضو الهيئة القضائية المكلفة مراقبة حركة الاتصالات ورئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر، عاد من باريس بتقرير مفصل انتهى الى وضع جدول مقارنة علمي وتقني واضح ما بين القانونين اللبناني والفرنسي، وما يجمع بينهما أكثر بكثير ممّا يفرقهما، إلا في بعض الجوانب الأمنية التي رفض القانون الفرنسي الأخذ بها، ولا سيما على مستوى "تقنينه" الحصول على "حركة الاتصالات الشاملة"، الأمر الذي يحتاجه لبنان لمواجهة الوضع الأمني الاستثنائي فيه. وما يحتم وضع هذه الحركة بتصرف الأجهزة الأمنية التي ساهمت وتساهم في كشف الجرائم الإرهابية وشبكات التجسس..."

وعليه، ولمّا نقل مضمون التقرير الى رئيس الحكومة، اقترح إحالة الملف سلة واحدة الى مجلس الوزراء: التقرير بمضمونه والنص المقترح لتعديل المادة الأولى منه كما اقترحته اللجنة وعملاً بما نصحت به الجهات الفرنسية المتخصصة من دون أن تلزم لبنان أي أمر.

وعليه، فقد علمت "الجمهورية" أنّ الرئيس نجيب ميقاتي كلف القاضي صادر والأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي وضع مشروع القانون الذي يقول بالتعديل المطلوب لرفعه الى مقام مجلس الوزراء معطوفاً على التقرير ليقرر المجلس في شأنه، فكان له ما أراد لا أكثر ولا أقل. ولذلك سيكون هذا التقرير الذي تنشره "الجمهورية" اليوم ملفاً على طاولة مجلس الوزراء ليقرّر في مصيره، ولا سيما التعديل المقترح على المادة الأولى منه.

نص التقرير حرفيّاً

بعدما قدم التقرير بالتفصيل الظروف التي رافقت تشكيل اللجنة الفنية والعسكرية وحركة الاتصالات التي سبقت الزيارة والقيادات والمؤسسات الفرنسية الأمنية والقضائية والتقنية في كبريات شركات الخلوي الفرنسية والبوليس الفرنسي التي جال عليها الوفد، خَلص الى الآتي:

تجدر الاشارة بادئ ذي بدء الى انّ احكام القانون اللبناني الرقم 140/99 مستوحاة بشكل كبير من احكام القانون الفرنسي الرقم 91-646 تاريخ 10/7/1991 والمتعلق بسرية المخابرات الجارية بواسطة وسائل الاتصال الالكترونية، لا بل ان الفصول المتعلقة بآلية اعتراض المخابرات كما وبإنشاء الهيئة المستقلة المنوط بها التثبّت من قانونية اجراءات الاعتراض الاداري على المخابرات الهاتفية في القانون اللبناني هي شبيهة الى حد كبير بتلك الواردة في احكام القانون الفرنسي. بالفعل، واستنادا الى احكام القانون اللبناني والفرنسي المذكورين اعلاه، فإنّ الآلية المعتمدة للاعتراض الاداري تتلخص بما يلي:

وفق القانون اللبناني:

يجيز وزير الداخلية او وزير الدفاع الاعتراض الاداري بقرار خطي معلل.

لا يصبح قرار الاعتراض المتخذ من وزير الداخلية او وزير الدفاع نافذا الّا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء (المادة 3 من المرسوم 15280 تاريخ 1/10/2005).

ان رقابة الهيئة المُناط بها التثبّت من قانونية الاجراءات المتعلقة باعتراض المخابرات بناء على قرار اداري هي رقابة مؤخرة واستشارية (المادة 16 من القانون 140 والمواد 14، 12، 11، 8، 4 من المرسوم 15280 تاريخ 1/10/2005).

ووفق القانون الفرنسي:

يتقدم وزير الداخلية او وزير الدفاع او وزير المالية باقتراح قرار معلل بالاعتراض الاداري.

يصدر رئيس مجلس الوزراء قرار الاعتراض الاداري بموجب قرار معلل (المادة 4).

ان رقابة الهيئة المناط بها التثبت من قانونية الاجراءات المتعلقة باعتراض المخابرات بناء على قرار اداري هي رقابة مؤخرة واستشارية (المواد 13 و14 من القانون رقم 91-646 تاريخ 10/7/1991.

• يتبين مما تقدم ان الهيئة المستقلة المناط بها الرقابة على قانونية الاعتراضات الادارية تتمتع بسلطة رقابة استشارية ومؤخرة وانه سواء في القانون الفرنسي او القانون اللبناني فإن السلطة صاحبة الاختصاص والصلاحية بشكل مطلق لإعطاء الاذن بالاعتراض الاداري او عدمه تبقى مناطة برئيس الحكومة شخصيا الذي يتمتع بسلطة مطلقة Pouvoir Regalien بهذا الشأن كونه يمثل الجهاز المناط به وضع السياسة العامة للبلاد والسهر على حسن تنفيذ القوانين بما يتوافق مع مصلحة الدولة العليا.

• تجدر الملاحظة انه وخلافاً لاحكام القانون الفرنسي (المادة 14 من قانون 1991) فإن عرفاً اتبع في فرنسا يحيل بموجبه رئيس مجلس الوزراء اقتراحات الوزراء (دفاع، داخلية، ومالية) بالاعتراض الاداري الى الهيئة المستقلة المكلفة مراقبة قانونية الاعتراضات لاستشارتها، وذلك قبل ان يتخذ قراره بالموافقة على الاعتراض او رفضه.

- كما تجدر الاشارة ايضا الى ان اقتراحات الاعتراض من قبل الوزراء المختصين في فرنسا يجب ان تكون معللة وفقاً للاسباب التي تبرر الاعتراض والمنصوص عليها حصرا في المادة الثالثة من القانون 646/1991 وهي:

• الامن القومي

• مكافحة الجريمة المنظمة.

• مكافحة التجسس الاقتصادي والصناعي والعلمي.

• اعادة تنظيم جمعيات تم حلها لمخالفتها الانتظام العام.

جدول مقارنة بين "اللبناني والفرنسي"

بعد هذه المقدمة الرامية الى اظهار اوجه التقارب بين القانونين اللبناني والفرنسي المتعلقين بحماية سرية التخابر، سوف نعرض حصيلة المعلومات التي جمعها الوفد اللبناني من خلال لقاءاته بالاجهزة الامنية والقضائية والتقنية التي لها علاقة وثيقة بتطبيق احكام قانون حماية سرية التخابر في فرنسا، عنينا احكام القانون رقم 646/91 تاريخ 10 تموز 1991.

• ان القواعد المعتمدة في فرنسا والمتعلقة بالاعتراض القضائي للمخابرات لا تختلف سواء بالشكل او بالجوهر عن تلك المعتمدة في القانون اللبناني ولم تحز بالتالي على اي اهتمام اثناء مناقشة الوفد اللبناني مع الاجهزة الامنية والقضائية الفرنسية.

• اجمعت الاجهزة الامنية والقضائية في فرنسا على اعتبار ان كل طلب يرمي الى اعتراض مخابرات هاتفية (اي التنصت) يجب ان يكون معللا ومحصورا ان من حيث الارقام المنوي اعتراض مخابراتها او من حيث الاشخاص اصحاب تلك الارقام وهذا يشبه ما هو معمول به في لبنان.

• اجمعت ايضا تلك الاجهزة على اعتبار ان حركة الاتصالات الهاتفية الشاملة والذي يقابله في فرنسا ما يسمى باستثمار المعطيات التقنية للاتصالات Exploitation des donnees Techniques de Telecommunications والتي تشكل احدى مكوناته الفواتير الهاتفية المفصلة Facturation Detaillee شأنها تماما شأن طلبات اعتراض المخابرات، فلا تعطى الا بناء لطلب محصور ومعلل يحدد فيه اسماء او ارقام المشتبه بهم كما ونوع الجرم المنوي اسناده اليهم، على ان تكون هذه الطلبات متناسبة مع نوع الجرم وان تكون الغاية من ورائها واضحة. كما اجمعت ايضا على ان تسليم حركة الاتصالات بشكل كامل وشامل من اجل ما يسمى "البحث الشامل" او Data Mining الى الاجهزة الامنية تتعارض مع احكام القوانين المرعية الاجراء في فرنسا.

• تمت الاشارة في بعض اللقاءات الى ان عدد المستخدمين على شبكات الهاتف الخلوي يتزايد باستمرار اذ يبلغ عدد المستخدمين حاليا في فرنسا حوالى 60 مليون مستخدم، مما يشكل صعوبة في تخزين ومعالجة الحجم الهائل لحركة الاتصالات التي تنتج عن هؤلاء المستخدمين، هذا على فرض ان القانون الفرنسي يجيز تلك العملية.

• تبين من خلال اللقاءات ان للهيئة المستقلة الحق بالطلب الى الاجهزة الامنية اطلاعها على نتيجة اعتراض مخابرات اعطي الترخيص الاداري بالقيام بها وما اذا كان الاعتراض قد ادى الى الغاية التي من اجلها اعطي الترخيص.

• كما تبين ايضا ان هناك شركات اوروبية تعمد على تجهيز بعض البلدان ببرامج وتجهيزات اعتراض شاملة للمخابرات مبررة ذلك بأن قوانين تلك البلدان تسمح بذلك بالرغم من ان قوانين البلدان التي تنتمي اليها تلك الشركات لا تسمح بمثل تلك الاعتراضات.

• اخيرا، واثناء اجتماع الوفد اللبناني بالقضاة المولجين اعطاء الاذن القضائي باعتراض المخابرات وبالقضاة المختصين بجرائم الارهاب، تم عرض للواقع اللبناني الامني في ظل الظروف الصعبة والاستثنائية التي تمر بها المنطقة المحيطة بلبنان، كما تم استعراض الوسائل التي قد تسمح للاجهزة الامنية القيام بالحماية الوقائية من العمليات الارهابية المحتملة، كما وحماية المواطن من الجريمة المنظمة والجرائم الخطرة، وقد لمسنا من هؤلاء القضاة تفهماً لجهة امكانية تعديل المادة الاولى من القانون 140/99 بحيث يتم استثناء حركة الاتصالات الشاملة من نطاق احكامه لما تمثله من اهمية بالنسبة للاجهزة الامنية اللبنانية كونها ساهمت وتساهم بشكل كبير في كشف الجرائم الارهابية وشبكات التجسس وغيرها من الجرائم الهامة.

وقد تم اعلامنا ان اخراج حركة الاتصالات الشاملة من نطاق تطبيق احكام قانون حماية سرية التخابر لا يزال معمولا به في بعض البلدان العربية التي تعاني من اضطرابات داخلية وتهديدات امنية كما تبين ايضا انه في الولايات المتحدة الاميركية وعلى أثر الاعتداء الارهابي الذي حصل في 11 ايلول 2001، اصدرت الحكومة الاميركية التشريع الشهير المعروف بالـ Patriot Act الذي سمح بموجبه للاجهزة الامنية بخرق بعض الحريات الاساسية (ومنها سرية التخابر) والقوانين السابقة المعمول بها، وذلك من اجل الكشف كما والوقاية من عمليات ارهابية محتملة.

في الخاتمة، ان الوفد اللبناني يشكر الثقة التي منحه اياها فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء كما ومجلس الوزراء مجتمعاً عن طريق تكليفه بالمهمة المنصوص عليها في متن قرار مجلس الوزراء رقم 14 تاريخ 25/7/2012، كما يلفت الى اقصى درجات تعاون الدولة الفرنسية وسفارتها في لبنان مع الوفد اللبناني رئيسا واعضاء من اجل تأمين مواعيد الزيارات كافة ومرافقة الوفد في جميع تنقلاته، كما يثني اخيراً على الجهود التي بذلتها جانب وزارة الخارجية والمغتربين ولا سيما السفارة اللبنانية في فرنسا ممثلة بسعادة السفير بطرس عساكر في تأمين حاجيات الوفد اللبناني كافة.

ان الوفد اللبناني، اذ يبقى بتصرف فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء من اجل ايضاح او تفصيل اي بند ورد في هذا التقرير، يتقدم منهما ومن مجلس الوزراء مجتمعاً بأسمى مشاعر التقدير والاحترام.

ووقع التقرير كل من اعضاء اللجنة المقدم انطوان قهوجي، الرائد المهندس خالد يوسف، العميد المتقاعد جوزيف نصار ورئيس اللجنة القاضي شكري صادر.