رفيق خوري
الأنوار
ليس في مطحنة اللجان النيابية سوى قليل من النقاش وكثير من الجدل والجعجعة بلا طحن. فلا في الواقع بل في الأحلام نتوقع تقديم الحساب العلمي والوطني على الحسابات السياسية الفئوية في مقاربة قانون الانتخاب، وهو نصف المعركة الانتخابية التي هي كل السياسة والرئاسة في لبنان. ولا فرق جوهرياً بين قوانين الانتخاب، اذا كان المتصارعون على الحصص والأدوار متواطئين على تزوير الأساس الديمقراطي للنظام ووظيفة الانتخابات فيه ودور الفرد فيها، بحيث يكون الاقتراع مجرد احصاء للطوائف والمذاهب التي تذهب الى الصناديق شبه بلوكات مقفلة.
والظاهر ان ما يعرقل الاتفاق على قانون انتخاب هو ثلاث عقد. الأولى هي الرغبة في أن يكون القانون كل المعركة لا نصفها، بحيث يحسم النتائج سلفاً. والثانية هي ادارة النقاش بمنطق الحرب الأهلية ومفهوم اللعبة الصفرية التي لا رابح فيها سوى طرف واحد. والثالثة هي التسليم بحصر اللعبة بين سبعة نواب كبار في المجلس، والثبات في حراسة الأزمة البنيوية في النظام، وابقاء الباب مغلقاً على التغيير وحتى على أي حل إصلاحي.
والظاهر أيضاً أن المسيحيين في الواجهة، لكن الكلمة للطوائف الأخرى. فالكل يتحدث عن الحرص على تبديد هواجس المسيحيين. والكل يعرف صعوبة أن يتفقوا على مشروع واحد. وليس هناك قانون انتخاب مثالي. ولا أحد يبحث عن قانون خارج ظروف الزمان والمكان.
وفي هذا الاطار، فإن حجر الأساس الذي يبنى عليه قانون الانتخاب الحالي محدد في الخطاب السياسي للجميع: الحرص على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وأن تكون فعلية لا شكلية. لكن العامل الديموغرافي، وسط الأحادية داخل الطوائف والمذاهب يلعب دوره. فما يبحث عنه المسيحيون هو صيغة لتعطيل العامل الديموغرافي الذي ليس لمصلحتهم. وما يصعب أن يتخلى عنه المسلمون هو توظيف العامل الديموغرافي الذي لمصلحتهم.
والباقي شعارات. فمن يستحضر الطائف لرفض مشاريع مخالفة له يعرف أن كل قوانين الانتخاب منذ الطائف كانت مخالفة له. ومن يرفض النظام النسبي بحجة السلاح يعرف أن دور السلاح في النظام الأكثري ليس غائباً. ومن يرفض الدوائر الصغيرة بحجة التفتيت يعرف أن الاستقطاب صار أقوى من أي تفتيت. والكل يعرف أن الانتخابات في أي نظام ديمقراطي تجري إما على أساس النظام النسبي في دوائر كبيرة وإما على أساس النظام الأكثري في دوائر فردية. ولا محادل الا في الأنظمة الشمولية. والمشكلة في لبنان هي الازدواجية بين نظام ديمقراطي في الشكل، ونظام شمولي في الانتخابات.