قانون الإنتخابات ينتظر "صفقة سياسية" قبل نهاية العام

جوني منيّر

الجمهورية

انتقال لبنان من مرحلة الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي إلى رحاب الجمهورية الثانية من خلال إقرار وثيقة الوفاق الوطني أو ما بات يعرف باتفاق الطائف، أنتج عملياً تغييرات جذرية على النظام السياسي الذي كان معمولا به منذ العام 1943، ونقل السلطة إلى مفهوم آخر أو فلسفة مختلفة.
وجاءت الممارسة السياسية التي سادت في تلك المرحلة لترسّخ هذا الواقع، ولو على قاعدة هجينة وغير واضحة تُزاوج بين الوصاية المطلقة لسوريا في لبنان مع حفظ مصالح الغرب الأمنية ومصالح المملكة العربية السعودية "المبدئية" والاقتصادية.
وتحت هذا العنوان أضيف 20 نائباً على اتفاق الطائف، ليصبح عدد مجلس النواب 128 نائباً. وجاء توزيع المقاعد الإضافية من زاوية المصالح السورية والصفقات الخليجية وبمباركة أميركية كاملة.
وصحيح ان مجلس النواب بقي نظريا يحفظ مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين انسجاماً مع روحية اتفاق الطائف لناحية المراكز وعدم الأخذ بالأعداد، إلّا أن الواقع الفعلي كان مختلفا بالكامل.
فعدا أن الكلمة المطلقة كانت للقيادة السورية في تركيب قوانين الانتخاب، وبالتالي التحكم بالنتائج سلفاً، وعدا الضغوط حول تشكيل اللوائح الانتخابية، إلّا أن توزيع المقاعد الإضافية جاء على أساس انتقال النائب ضمن دائرة انتخابية تكون فيها الغلبة المطلقة للمقترع المسلم.
واضافة الى ما تقدم، جرى اعتماد تقسيمات انتخابية عجيبة لا تستند الى أي معايير موحدة، وهو ما جعل لدائرتي الشوف وبعبدا امتيازاً خاصاً جرى الحفاظ عليه باستمرار لضمان حضور نيابي فاعل وقوي لوليد جنبلاط وتجنيبه الوقوع تحت القوة الناخبة الضاربة للمسيحيين في قضاء جبل لبنان.
ولأنّ تقاسم المصالح السوري - الغربي- السعودي كان واضحا في تلك الفترة، فإنّ مقاطعة العام 1992 لم تجد لها آذانا صاغية على رغم نجاحها لا سيما في الدوائر المسيحية، لا بل على العكس فإن الخطوة التي تلت تلك المقاطعة أوصلت الرئيس رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة، لتبدأ معها حقبته السياسية المثيرة للجدل.
ومع انسحاب القوات السورية من لبنان في العام 2005 إثر الدخول العسكري الأميركي المباشر في العراق وتفكك المعادلة التي كانت قائمة حول لبنان، بدا أن النظام السياسي الهجين الذي أنتجته الحقبة السورية لم يعد ملائماً للتغييرات التي طرأت على المشهد اللبناني، على رغم سَعي بعض القوى إلى التسابق على ملء الفراغ الناتج عن خروج سوريا للامساك بالسلطة السياسية في البلد.
فتيار "المستقبل"، وبالتحالف مع وليد جنبلاط، أراد ملء هذا الفراغ، فيما "حزب الله" سعى بدوره إلى الحفاظ على "الامتيازات" التي كان قد نالها بحكم الأمر الواقع. من هنا جاء الدافع لولادة التفاهم الرباعي الذي قاد انتخابات العام 2005 على حساب المسيحيين، ولو أن المشروع الغربي في المنطقة عاد وشطر هذا الاتفاق إلى قسمين كبيرين. ولذلك أيضا اعتمد قانون انتخابات العام 2000 او ما بات يعرف بقانون غازي كنعان.
ومع اشتداد المواجهة في لبنان على وقع تصاعد التوتر بين دول الخليج مدعومة من الدول الغربية، وسوريا مدعومة من ايران، بقي المسيحيون في موقع المتأثر بهذا الصراع لا المؤثر فيه، في وقت كان تيار "المستقبل" ومعه الحزب التقدمي الاشتراكي يقضم السلطة، فيما "حزب الله" يقضم الارض.
وعلى رغم الصراخ المسيحي في الإعلام، فإنّ الممسكين بالسلطة كانوا متجهين إلى انتخابات نيابية في العام 2009 على أساس قانون غازي كنعان، وهو ما يفسر عدم حصول مناقشة جدية لقانون انتخابات جديد أو تقدم الحكومة بأي تصور في هذا الشأن. وهنالك من يقول إنه لولا أحداث 7 ايار لما حصل اتفاق على قانون انتخاب جديد هو قانون الستين.
وصحيح ان هذا القانون يشكل خطوة إلى الأمام، إلّا أن الواقع اللبناني اصبح في مكان آخر، ما يحتم إيجاد صيغة جديدة تحفظ الحق المسيحي المهدور وتحاكي التطلعات المستقبلية لصيغة الحكم في البلاد.
ولأنّ الجدل الذي ساد خلال الأعوام الماضية حول وصول النواب المسيحيين بغير إرادة القاعدة الناخبة المسيحية، بدا مشروع اللقاء الأرثوذكسي الأكثر قرباً لناحية إزالة الهواجس المسيحية، فتصبح الطوائف هي الحدود الانتخابية بدلا من جغرافية الأقضية المتأثرة بالتراجع الديموغرافي للمسيحيين، وعملية إسقاط المقاعد وفق المصالح السياسية كما حصل بعيد إقرار اتفاق الطائف.
ولأن الواقع اللبناني مرتبط في العمق بالتطورات الإقليمية وبشكل اكبر بالأحداث السورية، جاء احتمال تأجيل هذه الانتخابات كبيرا. إلا أن اتضاح هذه الصورة قد لا يحصل قبل انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية، لتفتح معها باب التسويات السياسية في سوريا والتي سيتأثر بها لبنان حكماً. ما يعني ان اتضاح صورة الانتخابات النيابية قد ينتظر حتى نهاية هذا العام.
وفي ما بدا انه جرى إطلاق رصاصة الرحمة على قانون 1960، فإن عدم التوصل الى قانون جديد قبل نهاية العام إنما سيعني إرجاء الانتخابات النيابية.
اما في حال حصول العكس، فإنّ القانون الجديد سيلحظ وجوب الحفاظ على التوازنات السياسية لأسباب ثلاثة:
1- إن المجلس الجديد سينتخب رئيسا للمجلس النيابي وسينتج رئيسا للحكومة، ومن ثم سينتخب رئيساً جديداً للجمهورية.
2- سيحضن نقاشات حول "تحديث" الصيغة السياسية للنظام السياسي اللبناني.
3- سيشرف على الصيغة الجديدة للعلاقات اللبنانية - السورية وملف سلاح "حزب الله" ومنه الملف مع اسرائيل.
وهو ما يعني بشكل أوضح قانوناً جديداً للانتخابات، ينتج مجلساً نيابياً يحفظ الجميع ولا يخيف أحدا. وقد تكون الباكورة من خلال الاتفاق قبل نهاية هذا العام أو قبل إقرار القانون الجديد على اسم رئيس مجلس النواب ومعه اسم الرئيس المقبل للحكومة، وعلى التفاهم على رئيس جمهورية "وفاقي" ولو من دون تحديد اسمه، وإلّا فإنّ احتمالات التمديد للمجلس الحالي تبقى واردة وقائمة.