كشفت الحصيلة النهائية التي آلت إليها التحقيقات التي أجراها مفوّض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي داني الزعني الذي ختم تحقيقاته مساء امس في ملف فرار ثلاثة سجناء من أخطر موقوفي "فتح الإسلام" من سجن رومية بإشراف مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر لاتّخاذ الموقف المناسب منه اليوم، إمّا لجهة الادّعاء على الموقوفين وإحالتهم إلى قاضي التحقيق العسكري، أو التوسّع في التحقيق.
وانتهى التحقيق إلى أنّ عملية الفرار حصلت على مراحل أقدمها منذ ستة أشهر وآخرها منذ شهرين وعشرة أيام، واستخدم فيها الفارون الوسيلة عينها للفرار من منور القلم العدلي قبل إعادة تلحيمه بعد كلّ عملية، وبلباس شرعيّ وحجاب نسائي وبطاقات مزوّرة للاجئين فلسطينيين.
وفي التفاصيل التي وضعت "الجمهورية" يدها عليها، كُشف الكثير ممّا كان مستوراً بعدما توسّعت التحقيقات امس لتطاول آمر سريّة السجون المركزية في قوى الأمن الداخلي العقيد الركن عامر زيلع، كما الطاقم الطبّي في السجن بمن فيهم رئيس المركز المقدّم انطوان عون والطبيب هيثم الذهبي والملازمان من حرّاس السجن ايلي نصار وروجيه جبرين والمراقبون العامّون والرتباء العسكريّون المكلّفون نقل السجناء إلى المحاكم والمراكز الطبّية.
وفي الخلاصة الأوّلية أنّ رقعة المسؤوليات توسّعت لتكشف عن تواطؤ بين العسكريّين والسجناء وأطراف آخرين لم تتوضّح هويّاتهم بعد باعتبارهم خارج السجن. كما أظهرت التحقيقات أنّ هناك إمارة جديدة داخل السجن تتّخذ من الطابق الثالث في "المبنى ب" مقرّاً لها وتضمّ مجلساً للقيادة يدير شؤون 730 موقوفا في الأجنحة الثلاثة للطابق.
كما أظهرت أنّ أطبّاء السجن عاينوا الفارّين في أوقات مختلفة ومنها على سبيل المثال لا الحصر أنّ الطبيب عاين أحد الفارين بتارخ 9 أيلول 2012 وآخر في 9 تشرين الأوّل 2012 رغم وجودهم خارج السجن بأسابيع عدة.
وأدّت التحقيقات الى اكتشاف المراحل التي شهدت عمليات الفرار فتبيّن أنّ العملية تمّت عبر منور القلم العدلي بحجاب نسائي ولباس شرعي وبطاقات مزوّرة للاجئين فلسطينيّين وعلى ثلاثة مراحل: الأولى جرت قبل ستة أشهر وفرّ في خلالها محمود عوض فلاح من مواليد درعا 1980 (فلسطيني- سوري)، والثانية قبل أربعة أشهر وفرّ فيها عمر محمود عثمان مواليد العام 1986 (سوري)، والثالثة قبل شهرين وعشرة ايّام وفرّ فيها فيصل اسماعيل عقلة (جزائري) مواليد العام 1981، ويعرف في "فتح الاسلام" بـ"أبي شعيب الجزائري". وجاءت العملية الرابعة الفاشلة التي حاول من خلالها الملقب بـ"ابو تراب" الفرار، فاكتُشفت قبل فترة قصيرة.
وانتهت التحقيقات الى التأكيد بأنّ عملية إعادة تلحيم حديد المنور كانت تتمّ بعد كلّ عملية فرار بهدف عدم اكتشافها وإخفاء معالم الجريمة.
ولاحظت التحقيقات أنّ عملية تمويه رافقت عمليات الفرار بشكل منظّم في ظلّ استحالة عملية الإحصاء الدورية التي باتت في عهدة مجموعة منهم بغياب القوى الأمنية. وتزامناً، ومن أجل زيادة التمويه، كانت تنظّم البرقيات الطبّية بأسماء الهاربين وإخضاعهم للكشوف الطبّية بشكل منظّم استحال معه الشكّ بفرار أحد منهم الى أن نُشرت عبر وسائل الإعلام وتحديداً عبر قناة "العربية" صورةُ الفارّ محمود عوض فلاح قتيلاً في إحدى المواجهات بين الجيش السوري النظامي والجيش الحر، وقد ظهر مكشوف البطن مشوّهاً.
تقول التحقيقات التي توصّلت اليها المراجع المعنية إنّ الأجنحة الثلاثة في الطابق الثالث باتت منذ فترة طويلة تحت سيطرة الموقوفين من "فتح الإسلام" منذ الانتفاضة التي كسر فيها الموقوفون أبواب السجن والفواصل بين الأجنحة، فتحوّل الطابق بكامله الى نظارة كبيرة تتّسع لـ 730 موقوفاً. ولم يتمكّن العسكريّون يوماً من السيطرة على الوضع باعتبار أنّ عملية من هذا النوع في حاجة الى ألفي عسكري. وفي كلّ مرّة كانت تصدر القرارات لضبط الوضع تقوم قيامة المرجعيّات الدينية لتتّهم القوى الأمنية بالتمييز بين سجين أو مجموعة منهم وآخرين، الى ان ترسّخت المخالفات في السجن وباتوا يمتلكون آخر التكنولوجيا من شاشات تلفزيونية من قياس 62 إنشاً وصولاً الى استخدام وسائل سريعة للإنترنت يتواصلون من خلالها بالسكايب مع ممثلين للقاعدة في أنحاء مختلفة من العالم، كما تسلّموا عدداً من السواطير والمقادح وماكينة تلحيم للحديد مع معدّاتها كاملة أُدخِلت بصناديق في أوقات متفرّقة حتى توصّلوا مؤخّراً الى تركيب فيلتر ماء خاص بخزّانات المياه يوفّر لهم مياهاً نقيّة للشرب خاصّة بهم.
وقاد التحقيق أيضاً الى ما آلت اليه اكتشافات القوّة الأمنية في مداهمتها السجن، الى انّهم أنجزوا تشكيل خلايا إرهابية توفّرت لها كلّ الأجواء لتعقد اجتماعاتها في الطابق المذكور تخطّط وتنقل مخطّطاتها عبر الإنترنت والسكايب الى الخارج.
وقالت إحدى الوثائق التي اكتُشفت إنّهم استحصلوا من مسؤول معنيّ سابق على إذن باستخدام الإنترنت ووسائل الإتصال الدولية، على رغم التحذيرات التي أطلقها فرع المعلومات في تقارير عدّة نبّهت "من مخاطر توفّر هذه التسهيلات عبر الإتّصالات الرقمية المتطورة" لمثل هذه المجموعات الخطيرة، والتي كانت في حوزتهم حتى عملية الدهم الأخيرة التي لم تلامس وسائل الإتصال هذه بعد وحتى مساء امس.
تجدر الإشارة الى ما اوضحته المصادر المُطلعة لـ"الجمهورية" حيث قالت إنّه وبمعزل عمّا آلت اليه التحقيقات حتى الأمس، فلا توقيفات جديدة في الملف بعدما التبس أمر توقيف ثلاثة من المراقبين العامّين على بعض وسائل الإعلام، فيما أُبقي على توقيف آمر السجن الرائد أحمد أبو ضاهر والملازم عبدو الحفيظ فوّاز، فضلاً عن 11 رتيباً وعنصراً كانوا أُوقِفوا خلال التحقيقات التي جرت خلال الأيام الثلاثة الماضية، وقد أُحيلوا أمس الى القضاء العسكري. ولفتت الى أنّه لم يتبيّن وجود تواطؤ أيّ من الذين تمّ التحقيق معهم أمس للمرّة الأولى، من دون أن يعني ذلك انعدام فرضية المسؤولية التقصيرية لهؤلاء. وأكّدت أنّ التوقيفات استندت الى الاشتباه بالتواطؤ، ويعود لقاضي التحقيق العسكري الذي سيتسلّم الملف لاحقاً اتّخاذ القرار بتوقيف من يظنّ بتقصيره.
ولفتت المصادر الى أنّ الاستماع الى العقيد الركن زيلع جاء لكونه الضابط المسؤول الأوّل عن سرايا حماية السجون، إلّا أنّه لم تثبت علاقته بعملية الفرار.