"سنأخذ النرجيلة منك لخمس دقائق فقط"....هذا ما حصل في احد المطاعم!
Kataeb.org

الثالث من أيلول 2012. كان يوماً مفصلياً في حياة اللبنانيين. في ذلك التاريخ، دخلت المرحلة الأخيرة من قانون منع التدخين حيّز التنفيذ...بات التدخين ممنوعاً في الأماكن العامة المغلقة، تحت طائلة دفع غرامة مالية قيمتها 135 الف ليرة للمدخن وأخرى تتراوح بين المليوني ليرة وستة ملايين على إدارة المكان العام، مع امكانيّة الوصول الى السجن لمدّة ثلاثة أشهر، إذا تكرّرت المخالفة.

 

لم يثر اي قانون سابق في لبنان جدلاً مثلما فعل القانون 174. ولم يُظهر اللبنانيون لأي قانون آخر هذا النوع والكمّ من الشعور الخالص "العنيد"، مثلما فعلوا لقانون منع التدخين. فكان حبٌ وترحيب وحماسة لا شكّ فيهم، وكان أيضاً امتعاضٌ وكراهية، لا ذرّة تجاوب واحدة عند مطلقيها. قلّة هي من كانت "بين بين".

 

اليوم، وبعد مرور شهر وأسبوعين على حظر التدخين في الاماكن العامة المغلقة، كيف تبدو الأجواء، وهل خلا بعضها حقاً من الدخان الرمادي؟!

 

****************

 

هنا جونيه. مدينة تحاول استعادة رونق الامجاد القديمة، لناحية حياة السهر و"العجقة". تنبت المقاهي والمطاعم، ولو بخجل. عددٌ من المطاعم هنا، قديم و"مشهور"، ويقدّم النراجيل...كان! ويبدو انه لا يزال!

 

في احد تلك المطاعم، دخلت مجموعة من الأشخاص لتناول عشاء لذيذ وشرب كأس نبيذ. السماء في الخارج تغدق بأولى عطاءاتها مع بداية تشرين. تردد احدّ الشبان في طرح السؤال على النادل، لكنه فعل بعد دقائق معدودة :" لديكم أرجيلة؟" سرعان ما أومأ الـ Garçon برأسه ايجاباً. كررّ الشاب السؤال ظناً منه انه اساء الفهم. الا ان "حبيبة الشعب اللبناني" حضرت، بكامل عدّتها ونارها. "احلوّت" السهرة بالنسبة للزبون المدّخن. مرّت حوالى نصف ساعة، أتى من بعدها النادل، ليسأل بلباقة وبرودة وبلادة، "شارب الشيشة" ان يأخذها منه لدقائق :" اذا بتريد استاذ، 5 دقائق راح ناخذها". وهذا ما حصل. سُحبت النرجيلة برأسها المحترق الى داخل المطبخ، ومعها أخواتها المنتشرات على بقية الطاولات في المطعم. وها هو يدخل. انه "المفتش". راح يبرم كالطاووس بين الزبائن، يرمقهم بنظرات خاطفة سريعة...وخرج! استغرقت كلّ هذه العملية حوالى 7 دقائق، لتعود من بعدها كل نرجيلة الى صاحبها، "صاغ سليمة"...خلال تلك المدّة، كان الزبائن يأكلون بشهية، يشربون نخب بعضهم، يتسايرون على وقع أغان فرنسية هادئة. بين الحين والآخر، كانت رائحة "الستيك" المشوي تتسللّ من المطبخ، لتمتزج في الخارج برائحة التنبك التي لم تدخل أنف المفتّش "الشاطر".

 

هذه عيّنة من "حيل" اللبنانيين للتهرّب من تطبيق القانون. حيلٌ تتخذ لها عناوين وأشكال مختلفة ومتعددة، فتارة تتمثل بهدم بعض الجدران كي يصبح المكان غير مغلق، وتارة برشوة المفتشين.

 

هذه الأمور وغيرها ليست خفية على الجمعيات المدنية المناهضة للتدخين. تؤكد نائبة رئيسة جمعية "حياة حرة بلا تدخين" الاعلامية رانيا بارود ضبط حالات رشوة او اهمال وتقصير عدّة ، وهي موثقة بالمكان والزمان. ومع هذا تبدو بارود مطمئنة، اذ تلفت في حديث أجراه معها موقع kataeb.org الى "توافر ما يفوق مئة مراقب مدني من المتطوعين في الجمعية الذين يقومون بمراقبة حسن تطبيق القانون في المطاعم والمقاهي، وخصوصاً التنبه الى عمل المفتشين وما اذا كانوا يرتشون". وتعوّل بارود على وعي المواطنين الذين يقوم عدد كبير منهم ايضاً بالاتصال بالجمعية بغية تقديم شكوى ضدّ المؤسسات التي ترى انها تخالف القانون وترشي المفتشين.

 

ونوّهت بارود بالجهود التي تبذلها الشرطة السياحية ومفتشو وزارة الاقتصاد، معلنة ان نسبة الالتزام بتطبيق قانون منع التدخين وصلت الى 90 في المئة وطالت المناطق اللبنانية كافة، حتى الضاحية الجنوبية، وطرابلس حيث تمّ توزيع الكتب بدل النراجيل مؤخراً.

 

وأشارت الى ان الالتزام بتطبيق القانون فاجأ المجتمع الدولي الذي لم يكن متوقعاً هذه النسبة في خلال هذه المدّة الزمنية القصيرة، علماً ان بارود كررت ان لبنان بدأ فعلياً بحملات التوعية والتهيئة لمرحلة حظر التدخين نهائياً، منذ 12 عاماً.

 

وبالفعل، فثمة من التزم بالقانون، ولو مجبراً او بسبب علمه المسبق انه محطّ انظار المخوّلين ضبط المخالفين. من يمرّ بشارع الجميزة في بيروت مثلاً، لا بدّ وان يلاحظ ان السهرات انتقلت الى الخارج. يقول صاحب احد النوادي الليلية في حديث لموقع kataeb.org انه " لم يكن مع مضمون قانون منع التدخين الذي جاء صارماً ولا يراعي خصوصية الشعب اللبناني ولا خصوصية هذا الوطن المولود من رحم الحرب". واذ يلفت الى انه "كان من المفترض ان يكون حظر التدخين على مراحل تدريجية تسمح للمواطنين بالاعتياد على هذا النمط وبالتالي الوصول في مرحلة لاحقة ونهائية الى حظره تماماً كما هو حاصل اليوم"، يؤكد انه "من جهته ملتزم، في مؤسسته، بالقانون، لا محبة به، بل لأنه يدرك ان كلّ عمليات التفتيش سوف تصبّ على تتركز في الجميزة، علماً ان معظم النوادي الليلية هنا صغيرة ويصعب اخفاء نار او رائحة سيجارة فيها".

 

صاحب Pub آخر يخالف الرأي الأول، اذ يؤكد لموقعنا انه ملتزم بالقانون عن قناعة، وهو يشعر ان المكان الذي يقضي فيه يومياً ساعات طوال لادارة العمل، صار أنظف وأجمل. يشير الى الشابات والشبان الواقفين امام الباب في الخارج، ويقول: " نحن لا نمنع التدخين...الا عندنا. لديهم كلّ بقية المساحات تحت السماء، في الهواء الطلق".