الأخبار
في السياسة، كان وسام الحسن أبرز عناوين الجبهة اللبنانية ـ الإقليمية الفاعلة ضدّ النظام في سوريا، وفي مستوى ثانٍ ضدّ حزب الله وإيران. وموقع وسام في المعادلة، يتجاوز موقعه المهني على رأس وحدة عسكرية صغيرة، تُدير عملاً أمنياً نافذاً في ساحات تتجاوز لبنان.
في السياسة أيضاً، يندرج اغتيال الحسن في مطلع الحرب الباردة الجديدة المتجددة في العالم، التي تدور من تحتها حروب وفوضى دموية في بلدان عديدة، أبرزها سوريا.
في السياسة أيضاً وأيضاً، يقع اغتيال وسام الحسن، في قلب المعركة المفتوحة دونما أيّ نوع من الضوابط. هذه المعركة التي تجعل أطرافها يقومون بما يعتقدون أنه الأصح، لكنها معركة، تتيح لآخرين، من خارج طرفي النزاع، التدخل، واللعب على التناقضات، وتوجيه الرسائل، أو حتى إدارة الدفة من وجهة إلى أخرى.
في السياسة، يمثّل وسام الحسن خطّ 14 آذار في لبنان وفلسطين وسوريا وفي كل العالم العربي. وهو يمثّل في وظيفته السياسية ـــ الأمنية، الجبهة التي تقودها الولايات المتحدة ودول عربية وإقليمية من أجل استثمار الفوضى القائمة في العالم العربي في الاتجاه الذي يناسبها.
لم يكن وسام ضابطاً مكتوم القيد السياسي. لذلك يصح أن يتهم أنصاره أو مريدو خطّه السياسي الجبهة المقابلة بأنها متورطة في عملية الاغتيال.
لكن ثمة خطوات تقنية، محض تقنية، يمكنها أن تقود إلى نتيجة معاكسة. ومع ان هذه الخطوات لن تمنع الاتهام السياسي، لكنها تبقيه في دائرة الاتهام فقط، لا في إطار الحكم والإدانة، وهذه الخطوات التي تسمى تحقيقاً جنائياً ــ أمنياً دقيقاً، يجب أن تتقدم على ما عداها، لئلا يجري إدخال لبنان في نفق شبيه بالذي دخله بعد اغتيال رفيق الحريري، ثم صار صعباً الخروج منه، علما ان عقل 14 اذار السياسي لا يفكر هكذا.
ثمة أمرٌ آخر يخصّ وسام الحسن. الضابط، الذي أدى دوراً محورياً إلى جانب رفيق الحريري لسنوات طويلة كأمين سرٍّ له، وكمساعد في أمور كثيرة، سياسية وغير سياسية. وهذه الأدوار أهلته ليحتلّ موقعاً متقدماً إثر اغتيال الحريري، وأن يبرز أولاً متقدماً على الآخرين قرب سعد الحريري.
وسام الحسن، الضابط الذي نجح في سنوات قليلة في بناء جهاز أمني احترافي، نجح في خلق وحدة لها صلة ما بالدولة، ولو أنها انتزعت لنفسها المساحة الخاصة التي تجعلها خارج الدولة أيضاً. وصار وسام مع الوقت، رجل الأمن السياسي الأول عند فريق 14 آذار. وشبكة العلاقات التي بناها لنفسه في لبنان والمنطقة والعالم أتاحت له التعرف إلى أشياء كثيرة، وإلى أشخاص من أصحاب المواقع الرفيعة في عالم الأمن السياسي الدولي.
كثيرون حصلوا على دعم مالي وتقني، وحتى على غطاء سياسي وإداري، لكنهم فشلوا في توفير منتج سياسي أو أمني جيد . وفي حالة 14 آذار، وتيار «المستقبل» على وجه الخصوص، كان منتج وسام الحسن هو الأفضل، والأكثر فعالية وحضوراً، والأكثر استحقاقاً لكل الدعم الذي وُفر له. لم يكن بمقدور أحد من خصوم وسام داخل «المستقبل» وداخل فريق 14 آذار، طرح مجرد سؤال عمّا يقوم به الرجل.
في جبهة الخصوم، كان وسام غير المحبوب لدى هؤلاء، يحظى يوماً بعد يوم، هو ورفقاؤه في فرع المعلومات باحترام مهني، ناجم عن تقدير ما يقوم به، لناحية خلق إطار محترف لم يسبق لأجهزة قوى الأمن أن شهدته منذ قيامها. حتى وصل الأمر إلى لحظة، تحوّل فرع المعلومات، إلى الجهاز الأمني الرسمي، أو شبه الرسمي، الأول في لبنان. وأظهر كفاءة رشحته لأدوار خارج لبنان، كما وفّرت له احترام مؤسسات شبيهة إقليمياً ودولياً.
في آخر حديث معه، كان وسام يشكو اتهامه بأدوار كبيرة في سوريا. لم يكن يخفي دعمه وتبنيه لمعارضي النظام هناك، لكنه كان يئنّ من أن العرب لا يفعلون شيئاً حقيقياً. وكان في المقابل يظهر خشية لافتة من أحد صنوف الإسلاميين المتشددين. وكان وسام قليل الثقة بخصومه. حتى في حالة مدحه، كان يضحك: هذا المدح ليس لي، هذا إما ذمٌّ في آخرين، أو تضخيم لدوري حتى أصبح هدفاً!
رحم الله وسام الحسن..
وزّعت اقتراحات التعديل قبل نحو شهر ونصف على اعضاء «الجمعية». وعلى مدى اربع ساعات حصلت نقاشات مستفيضة تمحورت بشكل اساسي حول المسألة الاكثر حساسية. صلاحيات رئيس الحزب. هكذا في النسخة الاشتراكية الجديدة اقرّ مبدأ الانتخاب من القاعدة الى رأس الهرم، واعتماد سن الـ 18 للانتساب، وسَحب الدستور صلاحية تعيي المناطق (وكلاء الداخلية) ومسؤولي القطاعات (المفوّضين) من رئيس الحزب لتجيّر الى امين السرّ العام، على ان يصادق رئيس الحزب على هذا التعيين.
وبالرغم من اقرار الدستور في «جمعية المرشدين»، فانه ما يزال عرضة لبعض «الرتوش» الذي «لا يؤثر ـ بحسب اوساط حزبية ـ على المضمون». ومن الاقتراحات التي لم تحسم بعدّ صلاحية رئيس الحزب في اعادة قرارات التعيين التي تصدر عن امين السر العام، خلال فترة معينة، في حال عدم موافقته على الاسماء.
أيضا اعيد النظر باقتراح تقصير ولاية مجلس القيادة الى ثلاث سنوات، وهو الأمر الذي اتفق عليه في الجمعية العمومية الاخيرة، فابقي على ولاية الاربع سنوات المنصوص عليها في الدستور. وبحسب التعديلات الجديدة اصبح امين السر العام ينتخب من قبل الجمعية العمومية بعد ان كان ينتخب من مجلس القيادة.
يذكر انه في الدستور القديم كان وزراء ونواب «الحزب التقدمي الاشتراكي» يعتبرون اعضاء حكميين في مجلس القيادة بعد تولّيهم مناصبهم. وفق الدستور الجديد، يحقّ للجمعية العمومية ان تنزع الثقة عنهم بالاكثرية المطلقة، بناء على اقتراح رئيس الحزب!
هكذا تبدو جرعات «التغيير» بارزة، لكن «طيف» «البيك» لا يزال حاضرا بقوة. هي «الديموقراطية» على طريقة المختارة.
يبرر امين السر العام في الحزب ظافر ناصر حضور جنبلاط القوي من منطلق أن «الرجل استثنائي»، ويرى ان «ما حصل يشكّل محطة مفصلية في تاريخ الحزب لاعتبارات عدة منها الخروج من النظام الرئاسي الى نظام القيادة الجماعية، وتوزيع صلاحيات الرئاسة التنفيذية للمرة الأولى على هيكليات حزبية اخرى، والاعتبار الاهم هو اصرار رئيس الحزب على قراره الحاسم باتجاه تطوير العمل الحزبي والديموقراطي داخله عبر اوسع مشاركة من القاعدة والكوادر والقيادات في القرار الحزبي».
وفيما كان اتفق في الجمعية العمومية في العام الماضي على اعتبار مهمّة مجلس القيادة بمثابة مرحلة انتقالية تنتهي بعد عام واحد حيث يصار الى انتخاب مجلس قيادة جديد في تشرين الاول من العام الحالي، فان الجمعية العمومية التي ستشهد انتخاب مجلس القيادة، والذي يليه انتخاب رئيس الحزب، لن يكون بالامكان انعقادها قبل شهر آذار من العام المقبل، بسبب الالتزام ببرنامج المهل الزمنية لانعقاد الجمعيات العمومية في المناطق، التي ستسبق اجتماع محازبي «الاشتراكي» لاختيار اعضاء مجلس القيادة ورئيس حزبهم الجديد.
ويبدو ان شهر آذار قد لا يوفّر «البيئة الحاضنة» المناسِبة لاحداث «الانقلاب الديموقراطي» الكبير في «حزب وليد جنبلاط». فحِمى الانتخابات النيابية ستكون قد اجتاحت عقول الجميع، على مسافة نحو شهرين من موعدها «المفترض». لذلك، فالترتيبات الحزبية لزعيم المختارة قد توضع على الرفّ، في انتظار تمرير الاستحقاق النيابي. هذا يعني بالتأكيد، وخلافا لما كان مقرّرا سابقا، لن يتخلى «البيك» هذا العام عن مقعد الرئاسة، وسيخوض «الملحمة» الانتخابية وهو لا يزال رئيسا للحزب... ومن اقدر و«اشطر» من وليد جنبلاط على «التحايل» على التواريخ والالتزامات والخيارات؟