عودة الحريري أصبحت ضرورة رغم خطورتها
الجمهورية

لا تزال تداعيات محاولة هجوم بعض الشباب الغاضب على السراي الحكومي، تفرض نفسها بقوّة على المشهد السياسي الداخلي والخارجي في بعض أجزائه. ففي المشهد الأول تأكّد للجميع أنّ لا حلّ إلاّ بالتوافق، وفي الثاني رفعت أحداث السراي من منسوب تذكير الخارج الذي كان قد دخل في ثبات عميق، بمعارضة ما زالت موجودة وتعمل بقّوة على إسقاط الحكومة الميقاتيّة.

 

 

لكلّ فريق تبريره الخاص لما حصل في الشارع لحظة تشييع جثمان اللواء وسام الحسن، فالموالاة التي كان رئيس حكومتها يوحي انه على وشك تقديم استقالته بعدما حُمّل وزر دمّ الحسن، استطاعت في تلك اللحظة تجيير الحدث لمصلحتها بعد الدعم الدولي للاستقرار، وكان سبباً رئيساً في عدم تصدّعها إن لم يكن انهيارها بالكامل، والاهم من ذلك كلّه، شكل الغياب المدروس لـ"حزب الله" عن المشهد، عاملاً أساسياً في منع تفاقم الأوضاع وعدم استفزاز مشاعر القوى المناوئة له.

 

أما المعارضة التي نفضت يدها من حدث السراي وتبرّأت من فاعليه، فلم تكن على مستوى تطلّعات وآمال جمهورها بعدما ظهر الارتباك جلياً بين مكوّناتها، بحيث ظهرت وكأنّها لم تكن على مستوى الحدث، في ظلّ غياب التنظيم والنظرة الموحدّة لإدارة معركة كان يُفترض أن تصل في خواتيمها إلى نهاية تُعبّر عن حجم الدم الذي سقط. وهو الأمر الذي أراح نوعاً ما الفريق الآخر الذي جيّر التصريحات الدولية من دعم للاستقرار إلى دعم حكومة يرأسها "حزب الله" ويدير أعمالها نجيب ميقاتي.

 

أكثر من جهة سياسية رأت أنّ "غياب الرئيس سعد الحريري عن تشييع الحسن أو عدم حضوره في بيروت في تلك اللحظة، كان له الأثر السلبي في نفوس الذين حضروا جميعاً، وهو الأمر الذي ظهر بوضوح بعد الرسائل التي كانت تصل إلى الجماهير أثناء التشييع وتؤكّد وصول الحريري إلى مطار بيروت"، وتعتبر هذه الجهات أن تيار "المستقبل" كونه المعني الأوّل بهذه الذكرى، يتحمّل مسؤوليّة سوء تنظيم ما حدث، وربما يكون سوء التصرّف هذا ناتجاً عن العبء أو الضغط الذي أُلقيَ على كاهل "المستقبل في يوم التشييع".

 

وتقول هذه الجهات إن "جمهور تيار "المستقبل" يشكل عصب "14 آذار"، وبالتالي هذا التيار مدعوّ اليوم إلى تنظيم صفوفه الداخلية قبل أيّ شيء أخر، لأنّ من يعتقد أن الخلل موجود في القاعدة الشعبية هو مخطئ، إنما الخلل موجود في التنسيق بين الجهازَين السياسي والإعلامي وتحديداً في إعلام "المستقبل"، وتؤكّد أن "الخطأ الذي ارتُكِب من خلال الدعوة إلى احتلال السراي، لم يكن الأوّل من نوعه، كذلك لم يكن تدخل الحريري هو الأوّل لتصويب الامر، إذ سبق له أن امتعض من كلام أحدهم وأنّبَه عندما هدّد بالمارد السني في إحدى مهرجانات طرابلس، وفي الحادثتين هناك من خرج وأعلن تبرئة "التيار"، وقال إنّ "من صدر عنه هذا الكلام لا ينتمي في السياسة إلى "المستقبل"، ومن هنا أهمية الفصل بين المنبرَين السياسي والإعلامي لأن السياسة هي التي تصنع الإعلام وليس العكس".

 

وتعتبر هذه الجهات أنّ "عودة الحريري وبِغَضّ النظر عن وضعه الأمني، أصبحت اكثر من ضرورية لما لها من تأثير بالغ الأهمية في قاعدة "المستقبل" الجماهيرية، وفي الانتظام داخل مؤسساته خصوصاً الإعلامية التي بدت خلال الفترة الأخيرة وكأنها تغرّد خارج سربها، إضافة إلى غياب خطة عمل واضحة داخل منسقيّة الإعلام والتي كان لها أثر واضح في نفوس العاملين في احد أقسامها الرئيسة".

 

وترى أن "عودة الحريري في هذه الظروف الصعبة فيها الكثير من الخطورة ويعود له وحده أن يقرّر هذا الأمر، ولكنها أيضاً تمكنه من التواصل الدائم مع محيطه وجمهوره وقيادات تياره، خصوصاً في حال التزم الحذر الامني الواجب".

 

وتضيف: "مما لا شك فيه أن الظروف التي تعيشها قيادات "14 آذار" صعبة، والأيام المقبلة قد تكون أشدّ صعوبة عليها، ولكن في النهاية هناك استحقاقات يجب التحضير لها جدياً ومحطات مصيرية يجب أن تُتخذ قرارات في شأنها، ولذلك فإنّ تنظيم البيوت الحزبية من الداخل وتنظيفها، تبقى من الأمور الأساسية التي يجب أن يعمل عليها المسؤولون خصوصاً داخل مراكز القرار والمعنية بالتواصل بين رئيس الحزب أو التيار وبين القاعدة الشعبية".