شارل جبّور
الجمهورية
لعلّ أكثرَ ما يدعو إلى السخرية ليس محاولة فريق «8 آذار» تزوير موقف المجتمع الدولي، إنما التباهي بالدعم الأميركي لحكومته، متغافلاً أن إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري تم توقيته من الرابية بالتزامن مع دخول الحريري إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس باراك أوباما.
غريب أمر هذا الفريق السياسي الذي لا تنسجم أقواله مع أفعاله ويفتقد إلى الصدقِيّة والمبدئية في الممارسة السياسية، فهو ضد تمويل المحكمة في ظلّ حكومة 14 آذارية ويغض النظر عن تمويلها في الحكومة الميقاتية.
يُخوّن الفريق الآخر ربطاً بالعلاقة مع المجتمع الدولي ويقوم بالمستحيل للحصول على مظلّة هذا المجتمع. يعتبر عمل فريق المحكمة الدولية الصادرة عن مجلس الأمن خرقاً للسيادة الوطنية، فيما يتجاهل طلب أو موافقة رئيس حكومته على تقديم فريق من الـ"إف بي آي" المساعدة التقنية في التحقيق باغتيال اللواء وسام الحسن.
وما تقدّم ليس سوى غيض من فيض التناقضات في ممارسته التي وإن دلت على شيء فعلى أن أولويته الاستمرار في السلطة، وما اتهامه الفريق الآخر بأن هدفه سلطوي إلا تعبير عن أهدافه الذاتية، ولكن شتّان ما بين الأهداف السلطوية لكلا الفريقين بين من يريد جعل القرار الاستراتيجي داخل الدولة وبين من يستميت لإبقاء الدولة معلقة ومشلولة ومفككة. فالهدف من وراء رمي الاتهامات التغطية عن أفعاله وارتكاباته، ويكفي التذكير بواقعة اتهام "المستقبل" بالتدخل في الأزمة السورية، ليتبين أنّه متورط حتى أذنيه في هذه الأزمة، وهكذا دواليك...
ولكن ما لنا ولهم، المهم اليوم وبأيّ ثمن إخراج رئيس الحكومة من السراي ليس للعودة إليها، إنما لتعطيل مفاعيل الانقلاب والاستقواء وإعادة التوازن إلى داخل المؤسسات، لأنّ اختلاله على الأرض مسألة أخرى وعلاجها خارجي لا داخلي، فيما الحدّ الأدنى المطلوب في هذه المرحلة احترام إرادة الناس استباقا للأصوات التي بدأت تتصاعد متسائلة عن جدوى الانتخابات طالما أنّها عاجزة عن إحداث أيّ تغيير ويتم الانقلاب على نتائجها، وبالتالي خطورة هذه الأصوات المُحقّة أنّ اتساعها قد يجرّ إلى طروحات من قبيل إعلان الطلاق السياسي مع فريق السلاح...
إن ضرب الهامش المتبقي للحياة السياسية في لبنان، وهو هامش شكلي أكثر ما هو فعلي، سيجرّ إلى طروحات غير وحدوية، والطرف الذي يستقوي بالسلاح يتحمل كامل مسؤولية جرّ البلاد إلى هذا المكان وما يمكن أن ينتج عنه من فتنة وحروب وعودة عقارب الساعة إلى زمن الحروب المشؤومة، كما يتحمل مسؤولية مواصلة ضربه لخيار الاعتدال داخل الطائفة السنية والذي تداعياته ستصيبه بالمباشر ويكون أوّل ضحاياه.
وبعد أن أثبتت الأيام الفاصلة عن اغتيال الحسن بأن رئيس الحكومة متمسك بموقعه اعتقادا منه بأن التصاقه الكامل بـ"حزب الله" كفيل في إبقائه بهذا الموقع، فإن الخيار الوحيد المتبقي لاستعادة التوازن إلى المشهد السياسي هو دفعه إلى الاستقالة.
وفي هذا السياق نجحت قوى 14 آذار في ربط نزاع مع هذا الفريق داخلياً عبر التحركات الاحتجاجية المرشحة للتواصل والاتساع، وخارجيا من خلال الحركة المركزة على البعثات الديبلوماسية وعواصم القرار التي أدّت وفي غضون أيام لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة إلى تصحيح الموقف الدولي الذي جعلته الأزمة السورية وأولويتها داعماً، بشكل أو بآخر، لـ"حزب الله، والأخطر أنه لم يكن متيقنا لخطورة سعي الحزب إلى تصحير الساحة اللبنانية تأبيداً لسلاحه وتفويتاً لفرص التغيير بعد انهيار النظام السوري.
وإذا كانت لا تنفع محاولات تحوير المواقف الدولية التي وإن تحدثت عن أولوية الاستقرار، فإنّ كلامها عن حكومة "تعكس تطلعات الشعب اللبناني ولا تتصرف كعملاء ووكلاء لقوى خارجية" يشكل إدانة واضحة للحكومة الميقاتية.
ولكن في موازاة تحديد المعارضة هدفها بإسقاط الحكومة يتوجب عليها سريعا تقديم تصورها لطبيعة الحكومة المقبلة (حيادية)، وهويّة رئيسها (لائحة بالأسماء المقترحة)، والتشكيلة الوزارية وبرنامجها (إعلان بعبدا)، نظراً لأهمية هذه الخطوة إن في اقتراح المخرج أو في وضع الكرة في ملعب "حزب الله" وإظهاره معرقلاً للحلول ومصدراً لعدم الاستقرار وأو في دفع المجتمع الدولي لتخيير ميقاتي بين الاستقالة وبين رفع الغطاء الدولي عن حكومته.
فالهدف الأساس الذي تعمل عليه 14 آذار يتمحور حول تهيئة الأرضية المحلية والعربية والدولية لإخراج رئيس الحكومة من السلطة. فمفتاح إخراجه يتمثل بنزع الشرعية الدولية عنه، وهذه الخطوة مُلحّة ومطلوبة بشكل أساسي من واشنطن والرياض، وفي المعلومات أن العاصمتين تدفعان في هذا الاتجاه ومواقفهما ستتصاعد تدريجاً، خصوصاً أنّ كلّ الأسباب الموجبة بمنظور المجتمع الدولي لإسقاط الحكومة قائمة وأبرزها توفيرها غطاء الشرعية اللبنانية لـ"حزب الله" الذي يشكل تهديداً للأمن اللبناني والإقليمي من ثلاثة محاور: داخلي وعلى الحدود الجنوبية والشمالية...
وأما لجهة اشتراط الحزب البحث في أيّ موضوع على طاولة الحوار، فلا تعدو كونها محاولة فاشلة ويائسة لانتزاع شرعيّة جلوس 14 آذار معه حول طاولة واحدة، ومن ثم تمييع مطلب إسقاط الحكومة.