نايلة تويني
النهار
لست مع اقتحام السرايا وكل مركز حكومي آخر، اذ ان أصول الحياة الديموقراطية التي نتمسك بها، تقتضي المعارضة السلمية بكل اشكالها وصولاً الى تحقيق المطالب، ومنها إسقاط الحكومة في الشارع. ولاسقاط الحكومات أكثر من شكل، اما في مجلس النواب عندما تفقد ثقة الاكثرية النيابية بها، وإما في الشارع عندما تحجب عنها ثقة الناس.
في العيد، استمعنا الى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمدرشيد قباني، يرفض إسقاط الحكومة في الشارع، إنطلاقاً من دفاعه عن الموقع السني الأول في البلاد، وتقليداً لما فعله رأس الكنيسة المارونية السابق البطريرك مار نصرالله بطرس صفير عندما لم يوفر الغطاء للمعتصمين في ساحة الشهداء للتوجه الى قصر بعبدا، وإسقاط الرئيس إميل لحود عام 2005.
لكن موقف المفتي قباني لم يكن موفقاً على غرار البطريرك صفير، اذ ثمة فارق كبير بين الواقعتين. فرئيس الجمهورية رمز وحدة البلاد، ليس مسؤولاً عن الامور التنفيذية منذ اتفاق الطائف، وتالياً فإن صلاحياته محصورة بمنع خرق الدستور والوقوف في وجه عدم دستورية القوانين التي يقرها مجلس النواب. وفي هذا يصبح إسقاطه في الشارع، رفضاً لمنطق الدولة والمؤسسات، وإسقاطاً لهيبة الدولة.
أما إسقاط الحكومة، وليس رئيسها، بما هي سلطة تنفيذية مسؤولة عن السياسات الاجتماعية والاقتصادية، فجائز في الشارع او في المجلس، وليس من حصانة لها، اذ ان الحكومة ليست رئيسها السني المذهب، بل هي خليط من المذاهب والمجموعات السياسية، ولا تملك حصانة طائفة بعينها، ورئيسها سيكون سنياً أياً يكن إسمه.
في هذا الاطار، لا يمكن فهم دفاع المفتي قباني عن الحكومة، الا من الناحية السياسية، فهو يدافع عن رئيس الوزراء وليس عن الحكومة، وهو ربما ينطلق من خلافه مع فريق رئيسي الحكومتين السابقتين سعد الحريري وفؤاد السنيورة، ليبني على الشيء مقتضاه.
ان موقف المفتي قباني مبرر في رفضه اقتحام السرايا لكنه يشكل سابقة في منع إسقاط اي حكومة راهناً او في المستقبل، وتالياً فإنه يصبح على كل رئيس مقبل للحكومة ان يسوي اوضاعه وعلاقاته مع مرجعه الديني ثم يفعل ما يشاء بحصانة تضمن له الاستمرار بعمل وانجازات أو من دونها.
وبالعودة الى موقف البطريرك صفير عام 2005، فإنه ليس من الأكيد أنه حمى الجمهورية آنذاك ومنع الفراغ في رأس السلطة، لأن الفراغ كان عميقاً حتى في ظل وجود لحود في قصر بعبدا.
وعلى رغم ان العودة الى الوراء غير ممكنة لقراءة متأنية للظروف التي أملت الموقف، فإن الظروف تبدلت، ومعطيات كثيرة استجدت، لذا لا يمكن إلباس واقع اليوم، لباس الأمس، ولا يمكن تحت حجة الخوف من الفراغ، منع التغيير كلياً، لانه عادة ما يتم تنفيس الاحتقان الشعبي بتغيير الحكومات، وربما تبديل بعض الوجوه فقط، وقد فعلها رؤساء حكومات من قبل، لا من منطلق ضعف، بل من حنكة سياسية، لان تنفيس الاحتقان يكون في السياسة او في الشارع، كما كتب الوزير جان عبيد في "النهار" الخميس الماضي. ولا أظن ان صاحب السماحة يحبذ الشارع.