وسام سعادة
المستقبل
كل المؤشرات توحي بأن محنة التفريغ والتعطيل للمؤسسات الدستورية اللبنانية ستظلّ تتمادى في الأشهر المقبلة لتطاول مشارف الاستحقاق الرئاسي نفسه، ولترفع بالتالي، من مستوى التآكل والتصدّع للتركيبة اللبنانية بالشكل الذي نتداولها منذ انتهاء الحرب.
وفي ظلّ التراجع الكبير لمقدار تحكّم اللبنانيين بالسياسات التي تحدّد مسار بلدهم، وبشكل أساسي مسار الأزمة الأهلية والسياسية بينهم كلبنانيين، تبقى المقاربة الرائجة والقائمة على أساس "شخصنة" الموضوعات، مقاربة قاصرة، بحيث تبرز الحاجة الى إعادة الاعتبار إلى وزن الأمور بمقياس الطوائف.
فإذا كان وزن الأمور بهذا المقياس فيه أضرار بمنطلق الفردانية والمواطنية، إلا أنه يبقى أكثر فاعلية ووجاهة من "شخصنة الموضوعات".
وزن الأمور بمقياس الطوائف يمكنه أن يعني في حالتنا هذه أنه ما عادت تنفع المكابرة، كل من ناحيته، على هذه الواقعة الأساسية، سواء بحجة حداثية من نوع "منطق الدولة"، أو بحجة ثوروية من نوع "منطق المقاومة".
ثمة طوائف يتركب منها النظام السياسي لهذا البلد، وينبغي أن تتمثّل فيه، بشكل عادل في ما بينها.
إلا أنه كي يستقيم ذلك، لا تنفع الانتقائية. لا ينفع أن تكون الحكومة مرضياً عنها إذا كانت تهمّش التيار الأكثري لدى السنة، وغير مرضي عنها إذا كانت تهمّش التيار الأكثري لدى الشيعة.
أيضاً، لا تنفع المكابرة، حيث كل تيار أكثري لدى طائفته يكابر أو يميّع حيثية وجود تيار أكثري لدى الطائفة الأخرى.
في هذا الجانب، لو كانت المعادلة واضحة وشفافة بهذا القدر لأمكن منذ سنوات تجنيب البلاد الكثير الكثير من تبعات الفتنة المذهبية والشقاق الحاصل.
أيضاً، في الإطار نفسه، لا ينفع أن يتباهى "حزب الله" بأن مقاومته لا تحتاج إلى إجماع وطني، ثم يطالب بأن يوقّع الجميع على هذا الاجماع، في صيغة بيان وزاري، كما لو أن الإجماع الذي يستغني عنه إذا كان طوعياً، إنما يطالب به إذا كان بالإكراه، والأنكى يريده بالإكراه من ناحية، وسطحياً، في شكل قبوله المفروض على الآخرين على مضض. أما بعد مشاركة الحزب في القتال المذهبي في سوريا فصار ما يطلبه في هذا الإطار شكل من أشكال الهذيان. الهذيان المسلّح هو هذيان مضاعف ولو جرى العمل على تسجيله في "البيان الوزاري".
لكن المشكلة تبقى مع ذلك مزدوجة. من جهة، هناك مشروع هيمني فئوي يقوده "حزب الله"، ويرتبط بالحرب التي يتشارك بها والنظام السوري ضد فئات سكانية تنتمي إلى الأكثرية السنية في سوريا، ومن جهة ثانية، هناك حاجة حقيقية إلى إعادة إحياء مقياس العدالة بين الطوائف اللبنانية، فلا تعود هناك مكابرة على وجوب تمثيلها، وعلى وجوب المصادقة على التيار الغالب حتى إشعار آخر في كل منها.
بالتوازي، نعم، لم تعد الثنائية الآذارية هي هي قبل ثماني سنوات من تاريخه واليوم، لكن الاستقطاب بين خط النظام السوري ـ "حزب الله"، وبين التركة النضالية لحركة الاستقلال الثاني المتفاعل مع الثورة السورية، ما زال محدداً أساسياً. يبقى أن نعرف كيف التفاعل مع هذا المحدّد الأساسي بشروط اليوم والغد لا الأمس. شرط ذلك التنبيه إلى اثنتين: كلما ذهبنا أكثر في موضوع التفريغ والتعطيل للمؤسسات تزايد خطر فقدان ضوابط السيطرة على التصادم المذهبي السني ـ الشيعي. أما الأمر الثاني، فهو أنّ حركة الاستقلال الثاني في لبنان ينبغي ألا تختزل في كونها بعداً من أبعاد الاستقطاب المذهبي. بالعكس تماماً، لقد انطلقت هذه الحركة في الأساس عام ألفين كحركة إعادة اعتبار إلى محورية المكونات التاريخية للجبل اللبناني في عملية إعادة إنتاج شروط استقلال الكيان، واليوم أيضاً، تبرز حاجة إلى إعادة إنقاذ الكيان انطلاقاً من تجديد حيوية جبله التاريخي. لكن ذلك لا يحدث إذا كانت هذه الحيوية يستعاض عنها بمركبات الأقلوية الانفعالية، سواء تلك التي انساقت وراء منطق "تحالف الأقليات" تحت قيادة ولاية الفقيه وبشار الأسد، أو التي ضعفت إرادتها أمام منطق "كل طائفة تختار نوابها على حدة"، أو التي، صارت لا ترى "الميثاقية" إلا حين يحضر السلاح.
أمام المكونات التاريخية للجبل اللبناني دور حيوي في إفلات البلد من الاستقطاب المذهبي السني ـ الشيعي، وفي إيجاد قاعدة موضوعية للالتزام بإعلان بعبدا، وفي الدفع باتجاه الشروط التمهيدية للتسوية التاريخية اللبنانية. مع ذلك، ثمة فارق شاسع بين ضرورة هذا الدور وبين وعي وأهلية النخب السياسية والثقافية الموكلة به. مع ذلك يوماً بعد يوم لنا رصد هذه المعادلة: لا مخرج من مسار التفريغ والتعطيل إلا بعودة المكونات التاريخية للجبل الاستقلالي إلى لعب دور إنقاذي، يجمع بين رفض منطق الهيمنة المذهبية المسلحة كما يمثّله "حزب الله" وبين المطالبة الكاملة بالعدالة في النظر إلى "قضايا" كل الطوائف.
وفي ظلّ التراجع الكبير لمقدار تحكّم اللبنانيين بالسياسات التي تحدّد مسار بلدهم، وبشكل أساسي مسار الأزمة الأهلية والسياسية بينهم كلبنانيين، تبقى المقاربة الرائجة والقائمة على أساس "شخصنة" الموضوعات، مقاربة قاصرة، بحيث تبرز الحاجة الى إعادة الاعتبار إلى وزن الأمور بمقياس الطوائف.
فإذا كان وزن الأمور بهذا المقياس فيه أضرار بمنطلق الفردانية والمواطنية، إلا أنه يبقى أكثر فاعلية ووجاهة من "شخصنة الموضوعات".
وزن الأمور بمقياس الطوائف يمكنه أن يعني في حالتنا هذه أنه ما عادت تنفع المكابرة، كل من ناحيته، على هذه الواقعة الأساسية، سواء بحجة حداثية من نوع "منطق الدولة"، أو بحجة ثوروية من نوع "منطق المقاومة".
ثمة طوائف يتركب منها النظام السياسي لهذا البلد، وينبغي أن تتمثّل فيه، بشكل عادل في ما بينها.
إلا أنه كي يستقيم ذلك، لا تنفع الانتقائية. لا ينفع أن تكون الحكومة مرضياً عنها إذا كانت تهمّش التيار الأكثري لدى السنة، وغير مرضي عنها إذا كانت تهمّش التيار الأكثري لدى الشيعة.
أيضاً، لا تنفع المكابرة، حيث كل تيار أكثري لدى طائفته يكابر أو يميّع حيثية وجود تيار أكثري لدى الطائفة الأخرى.
في هذا الجانب، لو كانت المعادلة واضحة وشفافة بهذا القدر لأمكن منذ سنوات تجنيب البلاد الكثير الكثير من تبعات الفتنة المذهبية والشقاق الحاصل.
أيضاً، في الإطار نفسه، لا ينفع أن يتباهى "حزب الله" بأن مقاومته لا تحتاج إلى إجماع وطني، ثم يطالب بأن يوقّع الجميع على هذا الاجماع، في صيغة بيان وزاري، كما لو أن الإجماع الذي يستغني عنه إذا كان طوعياً، إنما يطالب به إذا كان بالإكراه، والأنكى يريده بالإكراه من ناحية، وسطحياً، في شكل قبوله المفروض على الآخرين على مضض. أما بعد مشاركة الحزب في القتال المذهبي في سوريا فصار ما يطلبه في هذا الإطار شكل من أشكال الهذيان. الهذيان المسلّح هو هذيان مضاعف ولو جرى العمل على تسجيله في "البيان الوزاري".
لكن المشكلة تبقى مع ذلك مزدوجة. من جهة، هناك مشروع هيمني فئوي يقوده "حزب الله"، ويرتبط بالحرب التي يتشارك بها والنظام السوري ضد فئات سكانية تنتمي إلى الأكثرية السنية في سوريا، ومن جهة ثانية، هناك حاجة حقيقية إلى إعادة إحياء مقياس العدالة بين الطوائف اللبنانية، فلا تعود هناك مكابرة على وجوب تمثيلها، وعلى وجوب المصادقة على التيار الغالب حتى إشعار آخر في كل منها.
بالتوازي، نعم، لم تعد الثنائية الآذارية هي هي قبل ثماني سنوات من تاريخه واليوم، لكن الاستقطاب بين خط النظام السوري ـ "حزب الله"، وبين التركة النضالية لحركة الاستقلال الثاني المتفاعل مع الثورة السورية، ما زال محدداً أساسياً. يبقى أن نعرف كيف التفاعل مع هذا المحدّد الأساسي بشروط اليوم والغد لا الأمس. شرط ذلك التنبيه إلى اثنتين: كلما ذهبنا أكثر في موضوع التفريغ والتعطيل للمؤسسات تزايد خطر فقدان ضوابط السيطرة على التصادم المذهبي السني ـ الشيعي. أما الأمر الثاني، فهو أنّ حركة الاستقلال الثاني في لبنان ينبغي ألا تختزل في كونها بعداً من أبعاد الاستقطاب المذهبي. بالعكس تماماً، لقد انطلقت هذه الحركة في الأساس عام ألفين كحركة إعادة اعتبار إلى محورية المكونات التاريخية للجبل اللبناني في عملية إعادة إنتاج شروط استقلال الكيان، واليوم أيضاً، تبرز حاجة إلى إعادة إنقاذ الكيان انطلاقاً من تجديد حيوية جبله التاريخي. لكن ذلك لا يحدث إذا كانت هذه الحيوية يستعاض عنها بمركبات الأقلوية الانفعالية، سواء تلك التي انساقت وراء منطق "تحالف الأقليات" تحت قيادة ولاية الفقيه وبشار الأسد، أو التي ضعفت إرادتها أمام منطق "كل طائفة تختار نوابها على حدة"، أو التي، صارت لا ترى "الميثاقية" إلا حين يحضر السلاح.
أمام المكونات التاريخية للجبل اللبناني دور حيوي في إفلات البلد من الاستقطاب المذهبي السني ـ الشيعي، وفي إيجاد قاعدة موضوعية للالتزام بإعلان بعبدا، وفي الدفع باتجاه الشروط التمهيدية للتسوية التاريخية اللبنانية. مع ذلك، ثمة فارق شاسع بين ضرورة هذا الدور وبين وعي وأهلية النخب السياسية والثقافية الموكلة به. مع ذلك يوماً بعد يوم لنا رصد هذه المعادلة: لا مخرج من مسار التفريغ والتعطيل إلا بعودة المكونات التاريخية للجبل الاستقلالي إلى لعب دور إنقاذي، يجمع بين رفض منطق الهيمنة المذهبية المسلحة كما يمثّله "حزب الله" وبين المطالبة الكاملة بالعدالة في النظر إلى "قضايا" كل الطوائف.