28 Oct 201314:26 PM
الأحزمة الناسفة تدخل المعركة في لبنان؟

جوني منيّر

الجمهورية

تعدّدت الأعذار والسبب واحد: إندلاع الإشتباكات في طرابلس سببه ارتباط الساحة اللبنانية في العمق بالحرب الدائرة في سوريا. فالأطراف المتنازعون في سوريا، المحليون ام الخارجيون هم موجودون جميعاً تقريباً في لبنان.

وشكلت طرابلس نموذجاً مثالياً لتوجيه الرسائل الميدانية عبر الساحة اللبنانية. وهو ما يعني في نهاية المطاف الخلاصة نفسها التي ترسو عليها عاصمة الشمال بعد كلّ جولة قتال منذ اكثر من سنتين: فترة استراحة قبل جولة جديدة قد لا يبعد موعدها كثيراً.

السفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل يُردّد خلال لقاءاته المتنوّعة أنّ "الوضع في لبنان يبقى مقبولاً وتحت السقف المرسوم قياساً على مستوى الحرب الدائرة قربه في سوريا".

وكلام السفير الأميركي هو الوجه الديبلوماسي للواقع الذي يتحكم بالساحة اللبنانية. فالحقيقة أنّ الاطراف الخارجيين الذين يرعون "مجموعاتهم" في لبنان على اختلاف توجهاتهم، يبدون ملتزمين القرار الأميركي القاضي بعدم نشر الفوضى الكاملة على الساحة اللبنانية. لكنّ ذلك لا يمنعهم من توجيه الرسائل، ولو جاءت قوية في بعض الاحيان.

هكذا تستمرّ كلّ جولة في طرابلس لبضعة ايام تعود بعدها الاوضاع الى نوع من الهدنة. أما القدرة على التحكّم بالتوقيت فمسألة سهلة جداً، وذلك من خلال توزيع كميات من الذخائر تكفي لمدة يومين. وكلما أرادت الجهة الراعية تجديد "القتال" ما على سيارات "الرينو رابيد" إلّا توزيع كميات إضافية على المقاتلين تكفي لفترة اضافية ولكن محدّدة.

بذلك، يكون الجميع قد حقَّق ما يريد: الأطراف الاقليميون الذين يريدون توجيه رسائلهم النارية، والعواصم الكبرى التي تبدو في النهاية راضية عن اعادة ضبط الاوضاع.

وفي ملاحظات الجولة الحالية أنّ المشاركة الطرابلسية اقتصرت على المجموعات التي ترعاها السعودية، فيما التزمت المجموعات الاسلامية التي ترعاها قطر، الحياد، ولهذا دلالاته السياسية. وعلى رغم التدخل القوي للجيش بكلّ انواع الاسلحة في بداية هذه الجولة، الاّ أنّ الفلتان الأمني استمرّ انسجاماً مع القرار السياسي او كلمة السر.

والاكثر مدعاة للقلق، تلك الرسائل التي تتوسل السيارات المفخخة والعبوات الناسفة التي تحصد الضحايا البريئة بلا تمييز او رحمة مثلما حصل في الضاحية الجنوبية لبيروت وطرابلس، والتي يبدو أنها مستمرة.

ففي سوريا، كثر الحديث عن قرب معركة القلمون المحاذية لمنطقة عرسال اللبنانية. وتردّد بقوة انّ "حزب الله" أنجز استعداداته للمشاركة في هذه العملية لأسباب عدّة، ابرزها تحقيق التواصل البرّي الآمن والكامل ما بين البقاع الشمالي والداخل السوري، وثانياً لحتميّة السيطرة على منطقة القلمون حيث تشير المعلومات المؤكدة التي يمتلكها الحزب الى أنّ تفخيخ سيارتَي الضاحية الجنوبية حصل في هذه المنطقة، إضافة الى احتضانها بنية تحتية كبيرة للتنظيمات المتطرّفة المناهضة لـ"حزب الله"، وثالثاً لأنّ تغيير الواقع الميداني في هذه المنطقة يُعزّز اوراق النظام السوري في المفاوضات المنتظَرة، والتي باتت تعرف بـ"جنيف - 2".

لكنّ هذه المعركة الحيوية والمهمة للنظام السوري و"حزب الله" على حدّ سواء، لن تحصل في السرعة التي تتحدث عنها وسائل الاعلام. ذلك أنّه فور الحديث عن احتمالات مهاجمة هذه المنطقة، انتقلت اعداد من المقاتلين المتشدّدين في سوريا الى القلمون، حيث جرى تنظيم خطة دفاعية وحشد قوات كبيرة لمنع الجيش السوري النظامي و"حزب الله" من تحقيق انتصار ميداني كبير يوازي انتصار القُصير اذا لم يكن اكبر منه.

ومن الطبيعي أنّ استطلاع الجيش السوري كشف مدى استعداد التنظيمات المتطرّفة والمعروفة بقدرتها القتالية، خصوصاً في المناطق الجبلية الوعرة، لذلك قد تكون القيادة السورية فضّلت إدخال تعديلات على خطتها تقضي أولاً بانتظار قدوم "الجنرال ثلج" القادر على تحطيم القدرات الدفاعية للإسلاميين قبل المباشرة بالهجوم، وثانياً باستغلال الوقت لتحقيق مزيد من التقدم في مناطق ريف دمشق حيث غادرها كثير من الكادرات العسكرية للمتشدّدين بعدما انتقلت الى القلمون. أي في اختصار اعتماد خطة القضم عسكرياً.

ولأنّ العملية تبدو بهذا المقدار من الاهمية، فإنّ التنظيمات المتطرّفة كانت قد أخذت على عاتقها توجيه ضربات موجعة الى "حزب الله" داخل مجتمعه مثلما حصل مع انفجارَي الضاحية الجنوبية اللذين استُتبعا بتفجيرَي طرابلس. وقد جاء اكتشاف سيارة ثالثة في الضاحية ليؤكد هذا التخوف.

لكنّ الاخطر هي المعلومات التي باتت تمتلكها الأجهزة الأمنية الرسمية حيال إدخال أحزمة ناسفة الى الداخل اللبناني، حيث تشير المعلومات الى وجود أعداد منها في طرابلس مع بعض المتشدّدين، وعلى اساس هذه المعلومات اكتُشفت خلية "حوش الحريمة" في البقاع الغربي المؤلفة من لبنانيّين وسوريّين، وقد ضُبطت معها أحزمة.

ماذا يعني كلّ ذلك؟ يعني في وضوح مسألة واحدة، إحتمال إدخال التفجيرات بواسطة انتحاريّين على خط الرسائل الدموية في لبنان. ويمكن هؤلاء الانتحاريون استعمال السيارات المفخخة، ولكنّ استعمال الاحزمة الناسفة يعني تغلغلهم داخل الحشود، إما لإحداث تفجيرات مؤذية، او ربما لتنفيذ اغتيالات لأشخاص محدّدين.

وفي الاستنتاجات الحاصلة، أنّ هدف هؤلاء قد يكون التغلغل في مناسبة دينية، حيث باتت احتفالات ذكرى عاشوراء على بعد أيام عدّة. وجاء مَن يطلب إلغاء هذه الاحتفالات هذه السنة، إلّا أنّ الجواب كان سلبياً نظراً لأهميّتها الدينية.

وما بين جولات طرابلس القتالية، والتفجيرات المرتقبة، يدخل عامل جديد على خط الاستثمار السياسي، وهو الاستحقاق الرئاسي، حيث لا يجد مختلف الاطراف ضيراً في إبراز أهمية هذا الخيار أو ذاك، أو حتى في إحراق حظوظ مرشح معيّن إنطلاقاً من مأساة اللبنانيين والدخان الاسود المتصاعد.