الحكي ممنوع والقاضي "مش راضي"
الأخبار

يخضع القضاة لقانون الموظفين الذي يفرض على الموظف لائحة طويلة من الممنوعات، من بينها عدم الإدلاء بتصريحات صحافية حتى ولو دفاعاً عن النفس. كثيرون منهم يرون في هذا القانون «قمعاً معنوياً» لمن يفترض بهم أن يكونوا أصحاب سلطة لا موظفين بالمعنى الضيّق. الحلّ قد يكون في مكتب إعلامي يطلّون منه حتى لا يعود الكلام ممنوعاً
محمد نزال
هل القاضي صاحب سلطة أم هو موظّف بالمعنى الضيّق للكلمة؟ هذا السؤال، بحرفيته، طرحه أحد القضاة المعروفين في محاضرة علنية، قبل نحو سنتين. «تجرّأ» القاضي على طرح السؤال على مسمع جمع من الحقوقيين. لم يطل الأمر بهيئة التفتيش القضائي لتجيبه عن سؤاله، إذ استدعته بعد أيام، لتذكّره بأنه، ككل القضاة، خاضع لقانون الموظفين، وأنه، بسبب محاضرته، بات متهماً بخرق «موجب التحفظ».
هذه الحادثة، غير الوحيدة من نوعها، ليست سوى نموذج لجدلية قديمة ــــ متجددة بين أهل القانون، تدور أساساً حول معنى عبارة «موجب التحفظ» ومدى صوابيتها. وبالمناسبة، لا يوجد نص قانوني صريح يُعرّف هذا الموجب، الذي يعدّ إحدى «القواعد الأساسية لأخلاقيات القضاة» التي وردت في وثيقة، قبل 6 سنوات، صادرة عن مجلس القضاء الأعلى. وبحسب هذه الوثيقة، فإن موجب التحفظ يعني، من جملة ما يعنيه، امتناع القاضي عن كثير من السلوكيات المتاحة لعامة الناس، مثل الامتناع عن المجاهرة بآراء معينة، واجتناب «كل أشكال النضال الديني أو السياسي أو العقائدي». هذه الممنوعات، التي يمكن المسؤولين تفسيرها بطرق «كيدية» أحياناً، يشعر معها كثيرون من القضاة بشيء من «الخنقة». وفي هذا الإطار، يستغرب أحد القضاة «الإصرار على وضع القاضي تحت الرقابة الإدارية الدائمة، بحيث يروّض لاوعيه»، متسائلاً عما إذا كان «موجب التحفظ» هو «موجب قمع»، وما «إذا كانت حرية التعبير، المصونة دستوراً والمقررة دولياً، والتي هي في صلب حق الإنسان الطبيعي، لا تشمل بنعيمها القاضي، فتصبح معه مقيّدة، أو معلقة على شرط الترخيص المسبق».
بالتأكيد، هناك قضاة كثر يرتضون بأن يكونوا كسائر الموظفين الحكوميين، لا حقّ لهم في الكلام أو التعبير، على رغم أنهم أصحاب سلطة قائمة بذاتها، وبشهادة الدستور. بيد أن ثمة قضاة آخرين لهم ما يكفي من «النفس الثوري» لرفض هذا الواقع. أحد هؤلاء يسأل: «كيف يكون القاضي مستقلاً وحراً وشجاعاً ومقداماً، بحسب ما هو مطلوب منه قانوناً، عندما يخشى الكلام في القانون والأدب والاجتماع والثقافة؟ كيف يُخشى عليه من الكلام في هذه المواضيع، فتُراقب أهليته ومدى إدراكه في كل مرّة أراد الكلام فيها، فيما يطلب منه، في الموازاة، ألا يخشى أحداً عندما يصدر أحكامه؟».
ويخلص القضاة المعترضون على ما يسمونه «قمعاً معنوياً»، إلى ضرورة إجراء تعديلات قانونية على النصوص، وإلى إزالة فكرة «البوليس» من النفوس، بحيث يصبح القاضي «متمتعاً بحقه الطبيعي كإنسان». ويستبشر هؤلاء القضاة بوزير العدل شكيب قرطباوي، لافتين إلى كلمة ألقاها الوزير، قبل مدّة، أكّد فيها أن القضاة «ليسوا موظفين بل أصحاب سلطة».لذا، يتمنى هؤلاء أن يعمل قرطباوي لتعميم هذا المعنى، بعدما سُجّل له سعيه الى تعزيز وضعهم المادي.
يُذكر أن المادة 133 من قانون القضاء العدلي تنص على أنه: «تطبق على القضاة أنظمة الموظفين». وبحسب قانون الموظفين، في المادة 15 منه، يحظر على الموظف «أن يلقي أو ينشر، من دون اذن خطي من رئيس إدارته، خطباً أو مقالات أو تصريحات أو مؤلفات في أي شأن كان». كذلك يحظر عليه أن ينضم إلى المنظمات أو النقابات المهنية، أو أن يضرب أو يحرّض غيره على الإضراب.

الحكي ممنوع والقاضي "مش راضي"

الاخبار

يخضع القضاة لقانون الموظفين الذي يفرض على الموظف لائحة طويلة من الممنوعات، من بينها عدم الإدلاء بتصريحات صحافية حتى ولو دفاعاً عن النفس. كثيرون منهم يرون في هذا القانون «قمعاً معنوياً» لمن يفترض بهم أن يكونوا أصحاب سلطة لا موظفين بالمعنى الضيّق. الحلّ قد يكون في مكتب إعلامي يطلّون منه حتى لا يعود الكلام ممنوعاً
محمد نزال

هل القاضي صاحب سلطة أم هو موظّف بالمعنى الضيّق للكلمة؟ هذا السؤال، بحرفيته، طرحه أحد القضاة المعروفين في محاضرة علنية، قبل نحو سنتين. «تجرّأ» القاضي على طرح السؤال على مسمع جمع من الحقوقيين. لم يطل الأمر بهيئة التفتيش القضائي لتجيبه عن سؤاله، إذ استدعته بعد أيام، لتذكّره بأنه، ككل القضاة، خاضع لقانون الموظفين، وأنه، بسبب محاضرته، بات متهماً بخرق «موجب التحفظ».

هذه الحادثة، غير الوحيدة من نوعها، ليست سوى نموذج لجدلية قديمة ــــ متجددة بين أهل القانون، تدور أساساً حول معنى عبارة «موجب التحفظ» ومدى صوابيتها. وبالمناسبة، لا يوجد نص قانوني صريح يُعرّف هذا الموجب، الذي يعدّ إحدى «القواعد الأساسية لأخلاقيات القضاة» التي وردت في وثيقة، قبل 6 سنوات، صادرة عن مجلس القضاء الأعلى. وبحسب هذه الوثيقة، فإن موجب التحفظ يعني، من جملة ما يعنيه، امتناع القاضي عن كثير من السلوكيات المتاحة لعامة الناس، مثل الامتناع عن المجاهرة بآراء معينة، واجتناب «كل أشكال النضال الديني أو السياسي أو العقائدي». هذه الممنوعات، التي يمكن المسؤولين تفسيرها بطرق «كيدية» أحياناً، يشعر معها كثيرون من القضاة بشيء من «الخنقة». وفي هذا الإطار، يستغرب أحد القضاة «الإصرار على وضع القاضي تحت الرقابة الإدارية الدائمة، بحيث يروّض لاوعيه»، متسائلاً عما إذا كان «موجب التحفظ» هو «موجب قمع»، وما «إذا كانت حرية التعبير، المصونة دستوراً والمقررة دولياً، والتي هي في صلب حق الإنسان الطبيعي، لا تشمل بنعيمها القاضي، فتصبح معه مقيّدة، أو معلقة على شرط الترخيص المسبق».
بالتأكيد، هناك قضاة كثر يرتضون بأن يكونوا كسائر الموظفين الحكوميين، لا حقّ لهم في الكلام أو التعبير، على رغم أنهم أصحاب سلطة قائمة بذاتها، وبشهادة الدستور. بيد أن ثمة قضاة آخرين لهم ما يكفي من «النفس الثوري» لرفض هذا الواقع. أحد هؤلاء يسأل: «كيف يكون القاضي مستقلاً وحراً وشجاعاً ومقداماً، بحسب ما هو مطلوب منه قانوناً، عندما يخشى الكلام في القانون والأدب والاجتماع والثقافة؟ كيف يُخشى عليه من الكلام في هذه المواضيع، فتُراقب أهليته ومدى إدراكه في كل مرّة أراد الكلام فيها، فيما يطلب منه، في الموازاة، ألا يخشى أحداً عندما يصدر أحكامه؟».
ويخلص القضاة المعترضون على ما يسمونه «قمعاً معنوياً»، إلى ضرورة إجراء تعديلات قانونية على النصوص، وإلى إزالة فكرة «البوليس» من النفوس، بحيث يصبح القاضي «متمتعاً بحقه الطبيعي كإنسان». ويستبشر هؤلاء القضاة بوزير العدل شكيب قرطباوي، لافتين إلى كلمة ألقاها الوزير، قبل مدّة، أكّد فيها أن القضاة «ليسوا موظفين بل أصحاب سلطة».لذا، يتمنى هؤلاء أن يعمل قرطباوي لتعميم هذا المعنى، بعدما سُجّل له سعيه الى تعزيز وضعهم المادي.
يُذكر أن المادة 133 من قانون القضاء العدلي تنص على أنه: «تطبق على القضاة أنظمة الموظفين». وبحسب قانون الموظفين، في المادة 15 منه، يحظر على الموظف «أن يلقي أو ينشر، من دون اذن خطي من رئيس إدارته، خطباً أو مقالات أو تصريحات أو مؤلفات في أي شأن كان». كذلك يحظر عليه أن ينضم إلى المنظمات أو النقابات المهنية، أو أن يضرب أو يحرّض غيره على الإضراب.