الشرق
قبل بضعة أشهر قامت ضجة كبرى مفتعلة بدعوى ان المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تضرب نظاماً أمنياً حول مقرها الكائن قرب مستشفى أوتيل ديو في منطقة "حي السريان" في الأشرفية.
وتبين لاحقا ان المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي كان قد تلقى معلومات أكيدة موثقة تفيد بأن مجموعات من "حزب الله" ستهاجم المقر للاستيلاء على "بنك المعلومات" ("داتا بنك") التابع لفرع المعلومات يومذاك... (في عيد الاضحى) فاتخذت المديرية تدابير وقائية استمرت الى ان تم رفد العناصر الموجودين داخل المقر بمجموعات من الوحدات عالية التدريب والقدرات في قوى الأمن الداخلي.
وذلك كان السبب لرفع الحواجز الاسمنتية وسائر التحصينات التي كانت متخذة وليس بسبب الضجة المفتعلة التي صدرت عن نواب عونيين وسواهم من السياسيين والاعلاميين.
ولقد مرت العلاقة بين "الحزب" و"المعلومات" في مسار طويل شهد صعوداً وهبوطاً. وهنا الوقائع:
اللواء ريفي و"المقدم" الحسن
في الثلاثين من نيسان عام 2005 تسلم اللواء أشرف ريفي المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بعدما كان مساعداً للمفتش العام في ظل حكومة الرئيس عمر كرامي، بمعنى آخر أنه كان قد وضع في مكان مهمل انتقاماً منه وتشفياً، لأنه كان على علاقة وطيدة مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري. خلال العامين 2004 - 2005 صدر مرسوم قبول استقالة المقدم وسام الحسن، والعودة عن الاستقالة في 25-7-2005 وفي شباط 2006 ثم تسليمه فرع المعلومات، والاتفاق على تحويل الفرع الى شعبة بصلاحيات متنوعة ومختلفة، مع عديد أكبر وتسلسل وظيفي مختلف، بمعنى أنه تم زيادة عدد العناصر الفاعلين وتدريب الكوادر وتأهيلها، وكذلك تطوير التقنيات، وتكريس المتخصصين، إضافة الى استحداث فروع مركزية متخصصة بــِ:
1- مكافحة الارهاب.
2- ملاحقة شبكات القاعدة.
3- مكافحة التجسس الاسرائيلي.
4- أيضاً وبعثات، وبشكل دوري، الى مصر وأوروبا (فرنسا).
وجاءت حصيلة عمل شعبة المعلومات كالآتي:
5- اكتشاف أول خلية تجسسية في حزيران من العام 2008، مع العلم أنه لم يكن هناك معطيات كافية للتوصل الى غيرها، ولكن، كان هناك شك في ان هذه الخلية ستشكل مفتاحاً للتوصل الى شبكات عدة مرتبطة في ما بينها، لذلك أحيط الموضوع بسرية تامة لاستكمال المعلومات بشكل كافٍ ووافٍ.
6- إضافة الي ذلك، تم تكثيف العمل وبذل الجهد في هذا الموضوع الى ان تم توقيف عدد كبير من العملاء.
والبداية، كانت في آذار من العام 2009، ولايزال العمل مستمراً وبوتيرة ثابتة ومطردة، علماً ان آخر شبكة تم كشفها كان منذ أكثر من ستة أسابيع.
بلغ عدد الشبكات المكتشفة المتعاملة مع العدو 29 شبكة، وأما عدد الأشخاص الذين تم توقيفهم فقد وصل الى 36 شخصاً.
"العلاقة مع حزب الله"
إن العلاقة بين شعبة المعلومات وحزب الله كانت على قدر من التنسيق الأمني، والتعاون لمكافحة الارهاب، وترسيخ الأمن الاجتماعي، مع تواصل يومي بين اللواء أشرف ريفي والحاج ساجد رئيس اللجنة الأمنية في حزب الله، ونتج عن هذا التواصل حل المشاكل الأمنية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وكذلك انسحب الأمر على جميع الأراضي اللبنانية، علماً ان التواصل الذي أثينا على ذكره كان قبل تسلم الحاج وفيق صفا اللجنة الأمنية.
وسام الحسن
بدأت علاقته مع الحاج حسين خليل مساعد الأمين العام لحزب الله منذ أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتحديداً منذ العام 2004، واستمرت لغاية تسلمه منصبه الجديد في شباط 2006، كما أشرنا آنفاً، ومن ثم انتقلت العلاقة الى المسؤول الأمني الحاج وفيق صفا، وكان هناك تنسيق أمني يخدم مصالح الطرفين.
متى بدأت المشاكل؟
في خلال ثلاثة لقاءات مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تم إبلاغه بأن هناك شكوكاً في تورط بعض عناصر الحزب بمقتل الرئيس الشهيد، وكان الأمين العام متفهماً ومتعاوناً في البداية، وحدث ان حضر بعض اللقاءات المرحوم الرائد وسام عيد، ولكن لم يتمخض عن هذه اللقاءات شيء، ما شكل دافعاً لتسليم الملفات - موضوع الشك - الى المحقق الدولي في القضية آنذاك برامريتز، وبعدها بدأت العلاقات تسوء تباعاً مع اللواء أشرف ريفي.
وبعد ذلك تم رصد أمرين:
- بعد تسلم وسام الحسن مهام رئاسة شعبة المعلومات تم تسهيل عبور شاحنات محملة بالأسلحة عبر المعابر وبمساعدة الأمن الداخلي.
- في أيلول 2006 جرت محاولة اغتيال سمير شحادة، وذلك بعد صدور مقالة جورج مالبرينو في الصحيفة الفيغارو في 24-8-2006 حيث تضمنت معلومات عن وجود خيوط تؤشر الى تورط حزب الله بجريمة الاغتيال.
وهكذا صارت العلاقة بين الطرفين أكثر سوءاً، وصار هدف حزب الله القضاء على اللواء أشرف ريفي ووسام الحسن لأنهما يعتبران أول من كشف خيوط تورط الحزب.
عملية عسكرية في عيد الأضحى
أثناء انتظار الرئيس سعد الحريري نتائج اتفاق الــ سين - سين المشهور، اقترح فريق داعم لحزب الله (جميل السيد - ميشال سماحة) على السوريين ان يقوم الحزب بعملية أمنية سريعة تؤدي الي تغيير في الواقع السياسي والأمني، وتهدف الى احتلال مبنى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي - خصوصاً شعبة المعلومات - على ان يتم الأمر خلال وقت وجيز، ما سيؤدي الى الوصول الى بنك المعلومات لتركيب أفلام جديدة تبدل وتغير الحقيقة.
إضافة الى كسر، او القضاء، على القوة الشرعية الأمنية الوحيدة التي تتعاطف مع قوى 14 آذار، وتحاول إقامة توازن أمني مع حزب الله وغيره من القوى الموجودة المعارضة.
وقد برر ذلك بأن في شعبة المعلومات مجموعة إسرائيلية هدفها التآمر على سوريا والمقاومة.
ولكن، يبدو ان الهدف كان اجبار الرئيس سعد الحريري على الموافقة على أي تسوية يفرضها حزب الله بلا شروط، وكان موعد العملية ليلة عيد الأضحى المبارك.
ولكن، وقبل عيد الاضحى بنحو ثلاثة أسابيع كانت قوى الأمن قد كشفت المخطط المرسوم، واستحضرت القوى القادرة على الدفاع عن الموقع، ما أسفر عن إلغاء التحصينات الخارجية.
هذا الأمر دفع "حزب الله" الى إلغاء عملية الاقتحام، بعدما تبيّـن له أن التكاليف ستكون كبيرة، لأنه لا بد من مشاركة بضعة آلاف من العناصر، والحسم قد لا يكون مؤكداً أو ممكناً في وقت قصير، كما كان مخططاً سلفاً، بل قد يستغرق ربما ساعات أو أياماً، فتم التراجع عن الخطة.