تبّاً للسياسيّين اليوم... سأكتب عن أمّكم وأمّي
21 Mar 201706:32 AM
تبّاً للسياسيّين اليوم... سأكتب عن أمّكم وأمّي
داني حداد

داني حداد

كم سيتحسّر فاقدو أمّهاتهم اليوم. يعترف هؤلاء بأنّهم "يكرهون" هذا العيد. يشعرون بألم الغياب من جديد، مهما مرّت عليه السنوات. ثمّة غياب لا يُشفى بمرور الزمن. سيصغون الى "أحنّ الى خبز أمّي" تتردّد عبر الإذاعات، ويذرفون دموعاً من حسرة.
لن أكتب في السياسة اليوم، بل عن الأم. عن أمّي وأمّكم.

سأحدّثكم عن الأمّ التي فقدت ابنها في حادث سير. أراها أمامي، كما رأيتها أثناء التعازي برحيل ابنها، وهي تداعب وجهه في الصورة، كأنّها من لحمٍ ودم.
سأحدّثكم عن صديقي الذي خسر والدته ويتحسّر كلّ يوم، لأنّ الأيّام كانت تمضي وهي على قيد الحياة، وهو غارق في هموم العمل والحياة.
سأحدّثكم عن الأمّ التي عوّضت رحيل الأب وكانت أمّاً وأباً وأختاً، ضحّت وربّت وكم عانقت أولادها في الملجأ تحت القصف علّها تحميهم من رصاصة طائشة، قبل أن تفقدَهم جميعاً حين رحلوا، كلٌّ الى غربته، وبقيت هي، سجينةَ وحدتها في المنزل الخالي من الأولاد والأحفاد الذين يلتقون بها، حين يزورون لبنان، كعابرة سبيل.
سأحدّثكم عن صديقٍ هاجر لسنوات، وعانى من الفقر والعوز في الغربة قبل أن يجمع زاداً متواضعاً يعينه على العودة للعمل في وطنه. وحين عاد، لم تعرفه أمّه. كان ألم غربته أقسى من أن يتحمّلَه عقلها وقلبها.
سأحدّثكم عن أمّ الجنديّ التي تضع يدها على قلبها حين يجتاز عتبة البيت خارجاً، وعن الأمّ التي تنسى تعب الساعات متى لمحت ابتسامة رضى على ثغر ابنها حين يتناول لقمةً صنعتها يداها، وعن الأم التي لا تغمض عينيها قبل عودة أبنائها ليلاً...

فليعلم كلّ منّا اليوم أنّ هذه المرأة التي سنبتاع لها أوانٍ للمطبخ أو سواراً من ذهب أو عطراً في عيدها هي أعظم من أيّ هديّة. ولنعلم أنّ لمسة من يديها هي أعظم من كلّ هذا الهراء الذي نكتبه أو نغنّيه في عيدها.

لنعلم أنّ ظهرها بات منحنياً قليلاً لأنّها لطالما حملتنا حتى نغفو على كتفها. ولنعلم أنّ يديها خشنتين قليلاً لأنّ بهما صنعت غذاءنا وراحتنا ونظافتنا. ولنعلم أنّ عينيها متجوّفتين قليلاً لأنّها لطالما سهرت قرب سرير مرضنا أو قلقاً على مستقبلنا.

سأحدّثكم لأنّني، ربما، أجيد التعبير كتابةً أكثر من الكلام. تعرّي الحروف المشاعر. يخفي الكلام المطبوع بعضَ الخجل.
أن أكتب لأمّي أسهل بكثير من أن أخاطبها. ولكن، لن أكتفي بالكتابة هذه المرّة. لن أستسلم للخجل. سأفعلها اليوم... سأعانقها طويلاً... طويلاً هذا المساء وأهمس في أذنها: أحبّكِ.