فراس سليم
كتب فراس سليم في موقع mtv:
نجحت بعض الدول في فترة الثمانينات والتسعينات من أن تعزز مرافقها العامة وتضمن رفاهية مواطنيهابتنفيذ مشاريع خدماتية كبيرة دون تكبد ميزانيتها أية تكاليف من خلال التجائها لنظام تعاقد الـ BOT.
وكان لمعظم الازمات الاقتصادية والمالية التي مرّت بها دول كثيرة في العالمأسباب وأبعاد كثيرة، حيث لا يُمكن حصرها إلى عامل واحد فقط. وبالحديث عن الأزمة المالية اللبنانية، نكاد لا نبالغ اذا أرجعناها بشكل مباشر لعامل قوي-وبالطبع ليس حصريا- هو الفشل الذريع في إدارة ملف الكهرباء الذي أرهق مالية الدولة للتمعن في سوء إدارته.
وبحسب مؤسسة "ماكنزي" الاستشارية، فإن جودة إمدادات الكهرباء في لبنان في الفترة الممتدة بين العامين 2017 و2018 كانت رابع أسوأ حالة في العالم. وبلغ المعدل الوسطي للاعتمادات الحكومية إلى مؤسسة كهرباء لبنان 3,8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة الممتدة من العام 2008 حتى 2017، وهو ما يشكل نحو نصف العجز المالي في لبنان، وفق البنك الدولي.كما يُنفق على قطاع الكهرباء في لبنان الجزء الأكبر من اعتمادات الموازنة بعد خدمة الدين والرواتب.
ولو أدار القطاع الخاص قطاع الكهرباء،كان قد ولّد فرص عمل كثيرة ونوعية وطوّر القطاع العام. كما كان قد حقق نتائج ايجابية للقطاع المصرفي اللبناني حيث كان بإمكان الدولة إلزام الشركة المتعاقدة على الاستقراض من المصارف اللبنانية الداخلية وبالعملة الوطنية إضافة الى التمويل الذاتي لتشغيل المرفق. وبموجب أنظمة الـ BOT، تلزم الدولة الشركة المتعاقدة على تقديم ضمانات مصرفية كافية لتغطية عملية قروضها بالعملة الاجنبية، مما كان قد عزز ميزان المدفوعات على مدى سنوات طوال أهدرها لبنان عبر تغليب المصالح الضيقة على المصلحة العامة.
والمضحك المبكي أنه حتى العام 2018 لم تكن عملية اصلاح قطاع الكهرباء أولوية اقتصادية بعد، فبطلب من الدولة اللبنانية، تم إعداد دراسة دولية قطاعية حول الاقتصاد اللبناني، تضمّنت رؤية وخطّة متطورة تحدّد مستقبل لبنان الاقتصادي للسنوات الخمسة المقبلة وشملت ستة قطاعات أساسية هي الزراعةوالصناعة والسياحة والخدمات المالي والابداع والانتشار حيث غاب قطاع الكهرباء كلياً عن الدراسة على الرغم من تأثيره الجسيم المباشر على المالية العامة للبنان.
فعلى صعيد القطاع الصناعي مثلاً، وصّت الدراسة بتركيز الجهود على أربعة قطاعات تتضمن تصنيع الاغذية والمنتجات التي تعتمد على قدرات التسويق مثل العطور. ومثلاً آخر، وصّت الخطة بالاهتمام بقطاع الانتشار أي اللبنانيين المنتشرين لكي يسهموا بشكل أكبر في نمو الاقتصاد و"توجيه وتشجيع التدفقات المالية للمنتشرين الى الإستثمارات المنتجة". وبالطبع يعتبر قطاع الكهرباء من القطاعات المنتجة، كيف لا وهو قد "نهب" حصة كبيرة من ودائع اللبنانيين المنتشرين والمقيمين على حد سواء!