لبنان ونظام عقود الـ BOT في إدارة ملف الكهرباء...
27 Apr 202114:13 PM
لبنان ونظام عقود الـ BOT في إدارة ملف الكهرباء...
فراس سليم

فراس سليم

كتب فراس سليم في موقع mtv:

 

نجحت بعض الدول في فترة الثمانينات والتسعينات من أن تعزز مرافقها العامة وتضمن رفاهية مواطنيهابتنفيذ مشاريع خدماتية كبيرة دون تكبد ميزانيتها أية تكاليف من خلال التجائها لنظام تعاقد الـ BOT. 


وكان لمعظم الازمات الاقتصادية والمالية التي مرّت بها دول كثيرة في العالمأسباب وأبعاد كثيرة، حيث لا يُمكن حصرها إلى عامل واحد فقط. وبالحديث عن الأزمة المالية اللبنانية، نكاد لا نبالغ اذا أرجعناها بشكل مباشر لعامل قوي-وبالطبع ليس حصريا- هو الفشل الذريع في إدارة ملف الكهرباء الذي أرهق مالية الدولة للتمعن في سوء إدارته. 

 

وبحسب مؤسسة "ماكنزي" الاستشارية، فإن جودة إمدادات الكهرباء في لبنان في الفترة الممتدة بين العامين 2017 و2018 كانت رابع أسوأ حالة في العالم. وبلغ المعدل الوسطي للاعتمادات الحكومية إلى مؤسسة كهرباء لبنان 3,8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة الممتدة من العام 2008 حتى 2017، وهو ما يشكل نحو نصف العجز المالي في لبنان، وفق البنك الدولي.كما يُنفق على قطاع الكهرباء في لبنان الجزء الأكبر من اعتمادات الموازنة بعد خدمة الدين والرواتب.

 

وكلّف قطاع الكهرباء الخزينة اللبنانية من مليار الى 2 مليار دولار سنوياً لغاية العام الحالي، أي ما مجموعه أكثر من 45 مليار دولار أميركي. وبتفكير اقتصادي وإداري رشيد، كان من الممكن تفادي هذه الخسارة بل تحويلها الى ربح لو لزّم لبنان قطاع الطاقة الى شركة خاصة وفق نظام الـ BOT. 
والـ BOT هو عقد من عقود الاستثمار يخضع للقواعد القانونية المنظمة للاستثماروهو إتفاق بين أي دولة وشركة خاصة، توكل بموجبه الدولة الى الشركة أو "كونسورتيوم" شركات مهمة القيام بأعمال تدخل في نشاطات القطاع العام، عن طريق منح هذه الشركة أو ائتلاف الشركات امتيازًا وفق الأصول القانونية من أجل انشاء مشروع ضخم وتنفيذه وتشغيله لفترة من الزمن ومن ثم في نهاية الفترةتقوم بنقل ملكيته وكل ما يتعلَّق به إلى الدولة. 
وبدل توجه الدولة اللبنانية الى هذا الخيار، فهي فضلّت تأمين التمويل المناسب لادارة وتشغيل مرفق الكهرباء من أموال المودعين اللبنانيين من خلال استقراضها الدائم عن طريق المصرف المركزي أو بالمباشر عن طريق البنوك، ما فجّر الأزمة المالية الحالية.  

 

والسؤال الذي يطرح هنا، لماذا لم يتم الاستعانة بالقطاع الخاص لإدارة مرفق الكهرباء وايجاد مصدر التمويل، بل على العكس كان هناك إصرار دائم على كف يد القطاع الخاص عن مرفق الكهرباء. والجواب بكل بساطة هو لتغليب مصالح مديري هذا القطاع على المصلحة العليا للبنانيين. 
وظهر مفهوم عقد الـ BOT منذ وقت طويل وهو ليس بمفهوم جديد أو حديث في الادارة والاقتصاد. وقد نادى به الكثيرون في تسعينات القرن الماضي في لبنان، وهو يختلف عن نظام الخصخصة حيث أن عقد الـ BOTهو محدد المدة مع احتفاظ الدولة بحق الاشراف والرقابة عليه حتى إعادة ملكيته إليها في نهاية المدة المتفق عليها.
ولو بدأت الدولة بنظام BOT في عام 2009 مثلاً،كانت قد وفرت أكثر من 25 مليار دولار على الخزينة العامة وكان قد استقطب لبنان استثمارات جديدة، مما عزز ميزان مدفوعاتهوخفّض العجز في الموازنات العامة وبالتالي وفي نهاية المطاف تم حماية أموال المودعين.

 

ولو أدار القطاع الخاص قطاع الكهرباء،كان قد ولّد فرص عمل كثيرة ونوعية وطوّر القطاع العام. كما كان قد حقق نتائج ايجابية للقطاع المصرفي اللبناني حيث كان بإمكان الدولة إلزام الشركة المتعاقدة على الاستقراض من المصارف اللبنانية الداخلية وبالعملة الوطنية إضافة الى التمويل الذاتي لتشغيل المرفق. وبموجب أنظمة الـ BOT، تلزم الدولة الشركة المتعاقدة على تقديم ضمانات مصرفية كافية لتغطية عملية قروضها بالعملة الاجنبية، مما كان قد عزز ميزان المدفوعات على مدى سنوات طوال أهدرها لبنان عبر تغليب المصالح الضيقة على المصلحة العامة. 

 

والمضحك المبكي أنه حتى العام 2018 لم تكن عملية اصلاح قطاع الكهرباء أولوية اقتصادية بعد، فبطلب من الدولة اللبنانية، تم إعداد دراسة دولية قطاعية حول الاقتصاد اللبناني، تضمّنت رؤية وخطّة متطورة تحدّد مستقبل لبنان الاقتصادي للسنوات الخمسة المقبلة وشملت ستة قطاعات أساسية هي الزراعةوالصناعة والسياحة والخدمات المالي والابداع والانتشار حيث غاب قطاع الكهرباء كلياً عن الدراسة على الرغم من تأثيره الجسيم المباشر على المالية العامة للبنان.

 

فعلى صعيد القطاع الصناعي مثلاً، وصّت الدراسة بتركيز الجهود على أربعة قطاعات تتضمن تصنيع الاغذية والمنتجات التي تعتمد على قدرات التسويق مثل العطور. ومثلاً آخر، وصّت الخطة بالاهتمام بقطاع الانتشار أي اللبنانيين المنتشرين لكي يسهموا بشكل أكبر في نمو الاقتصاد و"توجيه وتشجيع التدفقات المالية للمنتشرين الى الإستثمارات المنتجة". وبالطبع يعتبر قطاع الكهرباء من القطاعات المنتجة، كيف لا وهو قد "نهب" حصة كبيرة من ودائع اللبنانيين المنتشرين والمقيمين على حد سواء!