واشنطن تطرق أبواب تل أبيب لصون إنجازاتها في غزة
25 Oct 202506:40 AM
واشنطن تطرق أبواب تل أبيب لصون إنجازاتها في غزة
نداء الوطن

نايف عازار

نداء الوطن
تسلك المرحلة الأولى من "خطة ترامب للسلام في غزة" دربها بنجاح نسبي حتى الآن، رغم المطبات العديدة والأفخاخ المتفجرة التي تعتري هذا الطريق. وما يضمن نجاعتها، الزخم الأميركي اللامتناهي. فقد طرقت الدبلوماسية الأميركية في الأيام والساعات الأخيرة باب تل أبيب مجددًا، حيث حطّ أربعة مسؤولين أميركيين كبار رحالهم هناك، بغية الضغط على صناع القرار في الدولة العبرية، خصوصًا على نتنياهو وفريقه اليميني الحاكم، للمضي قدمًا في المرحلة الأولى من الاتفاق، ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية التي ستكون بلا شك أشد تعقيدًا.

حضور المسؤولين الأميركيين الكبار إلى تل أبيب، فرضه توجّس قاطن البيت الأبيض من أن ينسف التصعيد الإسرائيلي الدامي الذي شهدته أخيرًا مدينة رفح الاتفاق، حيث شنت مقاتلات إسرائيلية غارات عنيفة على المدينة، ردًا على تعرض الجيش الإسرائيلي لإطلاق نار من جانب مقاتلين فلسطينيين، أودى بحياة ضابط وجندي في صفوفه، وزعمت "حماس" بأن المهاجمين لا يدورون في فلكها، وبأنها فقدت الاتصال معهم منذ آذار المنصرم، بسبب المعارك الضارية وقتذاك.

لا ريب في أن قائد سفينة "العمّ سام"، المتعطش لنيل جائزة "نوبل للسلام" في الأعوام المقبلة، يتفاخر بأنه نجح في وضح حد للحرب على القطاع، ولا يريد أن تذهب إنجازاته الدبلوماسية أدراج الرياح، لذلك يواصل ضغوطه على "بيبي"، الذي أثبت أنه لا يهاب أحدًا في الداخل والخارج سوى الرئيس الأميركي، الذي يتباهى بدوره أنه يشرف على كل شاردة وواردة في سياسة نتنياهو، على عكس سلفه بايدن، حينما كانت "الكيمياء" مفقودة تمامًا بين واشنطن وتل أبيب.

من نافل القول أيضًا، إن الغارة الإسرائيلية على قطر، كانت شكلت نقطة فاصلة في سياسة واشنطن، التي شعرت في حينها أن مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية مع الدوحة والدول الخليجية الحليفة باتت على المحك، لتشكل هذه الضربة محفزًا كبيرًا لتحرك "شرطي العالم" في اتجاه إجلاس المتقاتلين إلى مائدة مفاوضات شرم الشيخ، ومن ثم كبح جماح الحرب، بمعية ومباركة دول عربية وإسلامية. وطبعًا يحرص الرئيس الأميركي على ألا يبدد أحد إنجازاته الدبلوماسية، تمهيدًا لتوسيعه مروحة "اتفاقات أبراهام"، لتشمل خصوصًا السعودية، التي تتمتع بثقل سياسي وديني كبير، وتشكل رافعة كبرى لاتفاقات السلام، بالتزامن مع اقتراب "سوريا الشرع" من الأميال الأخيرة لتوقيع، في الحد الأدنى، اتفاق عدم اعتداء مع الدولة اليهودية.

وبينما تخضع إسرائيل لـ "دوزنة ترامبية" كلما دعت الحاجة، يلفت المراقبون إلى تفلّت حركة "حماس" أو ما تبقى منها من عقالها، ومن أي ضوابط أخلاقية أو إنسانية. فالحركة أعادت إلى الصورة مشهد الإعدامات الميدانية المقززة، التي تقترفها بحق من تعتبرهم عملاء، من دون أي محاكمة شفافة أو مسوّغ قانوني. فـ "حماس" بأمسّ الحاجة إلى استعادة هيبتها وسطوتها داخل القطاع، وترميم صورتها المهشمة، بعد تقهقرها أمام آلة الحرب الإسرائيلية التي استدرجتها بنفسها إلى القطاع في فجر 7 أكتوبر، لذلك وجدت في الإعدامات خير سبيل لترويع الغزيين، وإخضاع الخارجين عن سيطرتها، معيدة بذلك إلى الذاكرة مشاهد إعدامات تنظيم "داعش" ووحشيته.

في الغضون، أبرز الإعلام العبري بعض الحذر حيال تطبيق خطة ترامب.

الباحث الاستراتيجي مئير بن شابات رسم في "معهد مسغاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية" صورة سوداوية لتطور الأحداث في غزة، معتبرًا أن الواقع الراهن يُختصر بالنقاط الآتية:

- "حماس" تتعافى بسرعة من الضربة التي تلقتها، وتعود إلى السيطرة على الشوارع، بمساعدة ناشطيها المسلحين، وتنفذ إعدامات بحق خصومها، وتقيم آليات فعالة للقيادة والسيطرة.

- إدراك الدور الذي يقوم به السلاح في تصوّر المقاومة لدى "حماس"، وتصريحات المتحدثين باسمها بأنهم لن يتخلوا عنه.

- تجربة الماضي ومعرفة طرق الخداع التي تستخدمها "حماس".

- الشكوك في شأن رغبة وقدرة الدول الوسيطة على فرض الاتفاق على "حماس".

- النظر إلى المحاولة غير الناجحة، إلى حد ما، في شأن نزع سلاح "حزب الله" في لبنان.

- الإدراك أن إمكان استئناف القتال لا يتوافق مع نية تسريع توسيع "اتفاقات أبراهام".

بدوره، الصحافي في "يديعوت أحرونوت" نداف إيال كشف أنه عندما سأل مسؤولًا كبيرًا في المنظومة الأمنية الإسرائيلية عن القوة الدولية التي يُفترض أن تدخل إلى القطاع، أجابه أنه يأمل فقط في أن يكون هناك مساجد كافية قائمة، حتى يتمكن أفراد تلك القوة من الصلاة فيها. واعتبر إيال أن الدول المرشحة لإرسال قوات ليست دولًا صديقة لإسرائيل، بل هي غير محبوبة إطلاقًا، وسجلّها في "حفظ السلام" سيّئ جدًا. وجزم الكاتب بأن "حماس" استعادت السيطرة الكاملة على المجتمع في غزة، وبأن "تحرير" القطاع من قبضتها، سياسيًا أو عسكريًا، مهمة تتطلّب قدرات سياسية فائقة. وختم إيال بأنه يُستحسن استخلاص الدروس من إخفاقات إسرائيل السابقة في غزة، لكن هذا ما لا يرغب نتنياهو في القيام به.

الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" عاموس يادلين اعتبر في قناة N12 أن الهجوم المسلح في رفح كلّف ثمنًا باهظًا، ومن الصائب أن ردّ الجيش الإسرائيلي كان قويًا، بدلًا من العودة إلى ضرب كثبان الرمال، على غرار ما كان يجري قبل 7 أكتوبر، ولدى أيّ خرق مستقبلي في القطاع، من الضروري ضرب "حماس" وتجهيز الشروط للعودة إلى حرب شاملة، في حال فشلت خطة ترامب. أضاف يادلين، أن على إسرائيل ألّا تفقد بوصلتها الاستراتيجية: تفكيك سلاح "حماس" ونزع سلاح القطاع، مع التقدّم نحو تطبيع أوسع مع العالمَين العربي والإسلامي.