جوزيان الحاج موسى
The Beiruter
كتبت جوزيان الحاج موسى في موقع “The Beiruter”:
في الأيام الأخيرة، تعرّضت مؤسستا MTV و”نداء الوطن“ لحملة منسّقة من الافتراءات والاتهامات بالخيانة، يُعتقد أنّها غذّتها وسيلة إعلامية محسوبة على فصيل سياسي، في محاولة لإسكات الأصوات النقدية وتقويض مصداقية المؤسسات الإعلامية الحرة. فقد وُجّهت إلى المحطتين مراراً تهم “الخيانة” و”العمالة مع العدو”، فيما يرفض مطلقو هذه الحملات الإقرار بالتفوّق التكنولوجي الإسرائيلي الواضح.
كما أنّ كلّ من يجرؤ على انتقاد حزب الله من خارج بيئته يُوصم فوراً بالخيانة من قبل المحسوبين على تلك البيئة نفسها. ولا يمكن التغاضي عن مظاهر الخيانة التي تتجلّى من داخل البيئة الحاضنة للحزب، ومن دوائره وشبكاته ومؤيّديه. فالمفارقة أنّ الجماعة التي تتّهم الآخرين بالعداء والخيانة هي في الواقع المصدر الحقيقي لهذه الانتهاكات. حتى المقرّبون من القيادة الحزبية ليسوا بمنأى عنها. إنّ النفاق صارخ، والخيانة الحقيقية تنبع من الداخل، فيما تُوجّه الاتهامات إلى الخارج.
الخطاب المستخدم في هذه الحملة تجاوز حدود النقد، ليتحوّل إلى تحريض مباشر واتهامات بالخيانة، ما أثار موجة عارمة من الإدانة العامة. واعتبر مراقبون أنّ هذه الحملة تأتي ضمن نهج متصاعد يهدف إلى الضغط على الإعلام المستقل في لبنان من خلال أساليب التشهير والتخوين. ورأى آخرون أنّ الهجمات على MTV و”نداء الوطن“، المعروفتين بخطّهما التحريري الجريء، تمثّل تحدّياً مباشراً لحرية الرأي والتعبير والحوار الديمقراطي.
إلّا أنّ هذه الحملة أثارت في المقابل موجة تضامن واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية، مطالبة بالدفاع عن حرية التعبير ووقف الترهيب الموجّه ضد الصحافة المستقلة. وقد عبّرت أحزاب سياسية وصحافيون ومنظمات مدنية عن تضامنهم مع المؤسستين المستهدفتين، معتبرين أنّ ما جرى يشكّل سابقة خطيرة تمسّ باستقلالية الإعلام. وأكدت البيانات الصادرة أنّ الصحافة الحرة والمتنوّعة تشكّل ركناً أساسياً في استقرار لبنان وهويته الديمقراطية، داعيةً إلى محاسبة قضائية تحول دون تكرار مثل هذه الحملات، وإلى حماية الصحافيين من التهديد والتشهير.
بالنسبة إلى كثيرين، فإنّ التضامن الواسع مع MTV و”نداء الوطن“ يتجاوز دعم وسيلتين إعلاميتين ليشكّل دفاعاً عن القيم الديمقراطية الجوهرية في لبنان، وتذكيراً بأنّ الحق في التعبير الحر يجب أن يبقى مصوناً حتى في وجه الترهيب.
تهديدات حزب الله تكشف تناقضاته
كشفت التهديدات الأخيرة التي أطلقها حزب الله ضد رئيس إحدى المحطات التلفزيونية اللبنانية مجدداً الهوّة المتزايدة بين مطالبته بـ”الاحترام“ وبين ممارساته التي تتجاهل كلياً دولة القانون. فالحزب يطالب بالشرعية السياسية والاحترام الشعبي، فيما يلجأ إلى الترهيب والتهديد العلني وخطاب التخويف — أساليب تنتمي إلى “شريعة الغاب”، لا إلى دولة دستورية.
في النظام الديمقراطي، الاحترام يُكتسب بالمحاسبة، لا بالإكراه. ومن التناقض الصارخ أن يُدان الصحافيون لاستنادهم إلى مصادر أجنبية أو عبرية، في حين أنّ وسائل الإعلام المحسوبة على الحزب تستخدم هذه المصادر نفسها باستمرار. إنّ هذا الغضب الانتقائي لا يعكس القوّة، بل الهشاشة، ويعبّر عن خوف من المساءلة متنكر بلبوس التفوّق الأخلاقي.
لا يمكن للبنان أن يستمرّ حين يحتكر فصيل واحد حقّ التهديد والرقابة وفرض الرأي، بينما يُحرَم الآخرون من حقّهم في الكلام أو الدفاع عن أنفسهم. فالتعددية اللبنانية تتطلّب ضبط النفس المتبادل، لا الهيمنة الأحادية. يجب أن تحلّ مبادئ القانون والمساواة وحرية التعبير محلّ سياسة الترهيب، فهذه القيم هي وحدها التي تضمن بقاء الجمهورية.
الرسالة المفتوحة المثيرة للجدل
في السادس من تشرين الثاني 2025، وجّه حزب الله رسالة مفتوحة إلى الرؤساء الثلاثة — رئيس الجمهورية جوزيف عون، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، ورئيس الحكومة نواف سلام — وإلى الشعب اللبناني، عارضاً فيها “رؤيته للوضع والموقف الوطني المطلوب”. غير أنّ الرسالة لم تحمل أي بوادر تهدئة، بل زادت من حدّة الانقسام والتوتّر.
وجاء في مضمون الرسالة أنّ الحزب يقول لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة: “الآمر الناهي في لبنان هو أنا، وأنا وحدي من يقرّر إن كانت المفاوضات ستجري أم لا. لا وجود لشيء اسمه مفاوضات.”
وبذلك، يخاطب الحزب رئيس الجمهورية قائلاً: “أنا من أقرّر، وليس أنت.” واستناداً إلى هذا الموقف، أقفل الحزب الباب أمام أيّ مفاوضات اقترحها الرئيس، حتى لو أعلن عنها الأخير أو بادر إليها، إذ يعتبر نفسه صاحب القرار الحصري في هذا الشأن. بمعنى آخر، يقول الحزب لرئيس الجمهورية: “لن أسمح لك.”
كما تجاوز الحزب صلاحيات رئاسة الجمهورية والحكومة، إذ وصف القرار الصادر في الخامس من نيسان 2025 — القاضي بإزالة السلاح غير الشرعي، وفي طليعته سلاحه — بأنّه “قرار آثم”. ونتيجة لذلك، اتّهم الحزب الحكومة بالخيانة وبأنّها تخدم “العدو الإسرائيلي”.
وأعلن الحزب تمسّكه بسلاحه، رغم أنّه منذ أكثر من عام لم يجرؤ على إطلاق حجر، فضلاً عن رصاصة، باتجاه إسرائيل. كما أصرّ على المضيّ في مشروعه، متحدّياً قرار الدولة والدستور، ورأي الغالبية الساحقة من اللبنانيين في هذا الشأن.
انقسام وغطرسة وتكميم
إنّهم يقسمون البلاد ويقفون ضد حرية التعبير، متصرّفين بغطرسة مطلقة، متناسين أنّ سياساتهم جرّت لبنان إلى الصراع والعزلة. لقد خسروا فعلياً ولم يبقَ ما يبرّر مواقفهم. حتى الحقائق البديهية التي تكشف سلوكهم تُمنع وتُحجَب، وكأنّ الحقيقة نفسها أصبحت تهديداً لهم.
المسألة ليست مسألة “إساءة” أو “افتراء”، بل وقائع ثابتة. ومع ذلك، فإنّ ردّهم الدائم هو الترهيب والتهديد، وهو سلوك لا يُقبل ولا يقرّه القانون. لا قرار دولة يقيّدهم، ولا قانون يردعهم، ولا مساءلة تحاسبهم. فإلى متى سيستمرّ هذا الوضع؟ إنّهم يواصلون ليّ القوانين والحدود والمؤسسات وفق أهوائهم، متقمّصين دور الضحية، ومتهمين غيرهم بالخيانة. لكنّ الخيانة الحقيقية تكمن في تقويض لبنان ذاته، وفي ضرب معنى الانتماء إليه.