معالم مرحلة جديدة في المنطقة
25 Nov 202507:45 AM
معالم مرحلة جديدة في المنطقة

 

الزيارة المهمة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الى الولايات المتحدة الاميركية، الاسبوع الماضي والتي حققت نقلة نوعية في العلاقات الثنائية بين البلدين، وتم خلالها التوقيع على اتفاقيات استثمارية ضخمة، والتعاون الدفاعي النوعي، والطاقة النووية للاستخدام السلمي، والذكاء الاصطناعي والمعادن النادرة، وأرست موازين قوى جديدة بالمنطقة، وخصت القضية الفلسطينية باهتمام ملحوظ، وباصرار سعودي على الاستمرار قدما مع الادارة الاميركية، للتوصل الى حل الدولتين، بالرغم من الرفض الاسرائيلي، وصولا لارساء السلام الشامل بالمنطقة. 

المهم في هذه الزيارة ايضا، وهو ما يجدر التوقف عنده ملياً، انها طوت مرحلة طويلة من ضبابية في العلاقات الاميركية وانعدام الثقة مع العالم الاسلامي والعربي عموماً، وتحديداً مع دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية خصوصاً، والتي بدأت بعد الهجوم الانتحاري ضد ناطحات السحاب في مدينة نيويورك، والذي اتهم تنظيم القاعدة بتنفيذه في الحادي عشر من شهر ايلول من العام ٢٠٠١، وما تبعه من ردة فعل اميركية باعلان ما سمي يومها «الحرب على الارهاب»، او «الحرب الصليبية» كما اطلق عليها الرئيس بوش شخصياً، بتحريض من اسرائيل، لاستهداف الدول العربية والاسلامية وابتزازها ماليا وبالثروات النفطية والغاز التي تمتلكها، وللتغطية على قيام رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون بضرب اسس قيام الدولة الفلسطينية وتصفيتها.

منذ ذلك الحين، تواصلت سياسة العداء الاميركي ضد الدول العربية والاسلامية بعد الهجوم الاميركي ضد معاقل تنظيم القاعدة بافغانستان، ليتبعه بعد ذلك محاصرة العراق والهجوم الاميركي عليه بذريعة ملفَّقة بوجود اسلحة للدمار الشامل وبدون اي قرار من مجلس الامن والامم المتحدة، وتم اسقاط نظام الرئيس صدام حسين بالقوة الاميركية والبريطانية، وتسليمه لاتباع الادارة الاميركية وللنظام الايراني على طبق من فضّة، لتتكشَّف بعدها فصول الحرب الاميركية على الارهاب ظاهرياً، عن هدف حقيقي وهو الحرب على الدول الاسلامية «السنيّة»، بعد اطلاق يد النظام الايراني بالسيطرة على العراق وتفتيت مكوناته وإلحاقه بالتبعية لإيران، وبعدها بسنوات معدودة، تمدد النفوذ الايراني للسيطرة على سوريا، بغطاء اميركي مكشوف، ومن خلاله تعزيز وتقوية سيطرة حزب الله على لبنان تحت شعار مقاومة إسرائيل، لاسيما بعد التقارب الملحوظ بين النظام وادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما، التي وقعت الاتفاق النووي الشهير مع ايران عام ٢٠١٥، تحت عنوان انتهاج الديبلوماسية بدل القوة، والذي أدى الى اطلاق يد ايران وسهَّل تمدد نفوذها لتسويق مشروعها المذهبي لتشييع المنطقة، ومن خلاله دعم انقلاب الحوثيين في اليمن، وتحريضهم للاعتداء بالصواريخ على المملكة والامارات ودول الخليج العربي بالصواريخ الايرانية، وتهديد الملاحة بالبحر الاحمر.

بعدما استنفد مشروع إطلاق يد النظام الايراني في تخريب الدول العربية غاياته، واستنزاف قدراتها لمصلحة اسرائيل والولايات المتحدة، وبدأت تداعياته ترتد سلباً على مصالح واشنطن، تم ضرب كل اذرع وحلفاء ايران بالمنطقة، والهجوم على النظام الايراني بمشاركة اميركية نافرة، وتم اضعافه واصبحت قدارته محدودة وعديمة التأثير قياساً عما كان عليه في العقدين الماضيين.

ولعل محاولات التوسط التي يبذلها اركان النظام مع المملكة وغيرها، استجداءً للادارة الاميركية بتغيير ادائها نحو الافضل، لأجل وقف الضغط المتواصل وسياسة الحصار الخانقة، وحتى التهديد بشنّ هجوم أميركي جديد على ايران، ابلغ دلائل ومؤشرات على معاناة النظام وقلقه من مصير بائس اذا استمرت اساليب تطويقه من واشنطن للمرحلة المقبلة على حالها. 

تؤشر زيارة ولي العهد السعودي للولايات المتحدة الاميركية وهي الاولى منذ تسلُّمه مهمامه، بالمراسم التي تخللتها، والاتفاقيات التي تم التوقيع عليها مع الجانب الاميركي، معالم مرحلة جديدة في المنطقة، تطوى من خلالها سياسة الحرب الاميركية السابقة على «الاسلام السنّي» فعلياً، والتي تتلطَّى وراء محاربة «التطرف والارهاب الاسلامي» ظاهرياً، ويؤمل ان تكون مرحلة مختلفة وتتماهى مع مصالح شعوب المنطقة العربية والاسلامية، وأن تحقق الدفع المطلوب لاخراج حل الدولتين الى حيِّز الوجود بالرغم من الاعتراض والرفض الاسرائيلي المتواصل لهذا الطرح، وأن تكبح جماح التسلط والهيمنة الاسرائيلية على المنطقة العربية كلها.