فتحتْ المجدليّةُ الباب. أسرعتْ نحوها وقالت: "ابنُكِ ليس في القبر!".
أمّا هي فتَسمَّرتْ في صمتِها. أغمضتْ عينَيها فعلقتْ الدمعةُ بين الرموش، ثمّ أردفت: "لقد قام، كما قال".
ما فعلَتْه هذه الأمّ هو أنّها تذكَّرت كلماتِ ابنِها فحسب: "وفي اليوم الثالث أقوم". تذكَّرت من دون أن يصيحَ ديك. قلبُها دليلُها، وقلبُ الأمّ لا يُخطئ.
من يومَين رأتْه على الصليب مشلوحًا، فأيقنت مذّاك أنّ اليومَ الثالث غيرُ بعيد. حينذاك "وقفتْ" (يو 19: 25) عند الصليب منتصبة، منتصرة، ولم تُوَلول.
في دفنه لم تحضر. لم تشترِ طيوبًا ولم تُرافق حاملات الطيب إلى القبر، لأنّها ببساطة آمنت بأنّ كلامَه لا يسقطُ أبدًا وبأنّ القيامة آتية. "إنّ الطيوب تَليقُ بالأموات"، لا بابنها الحيّ دائمًا.
طالما وَثقت هذه الأمُّ بكلام ابنِها. في أوَّل إطلالةٍ له على الملأ، وقد كانا يومَها في عرسٍ، أَمَرتِ الخدّامَ أن يسمعوا كلامَه: "مهما قال لكم فافعلوه" (يو 2: 5). فكيف لا تأتمرُ هي بكلامه؟
في دفنه، لَفَّه نيقوديموس بكتّان أبيضَ غالي الثمن، أمّا هي فَلفَّتْه بدموع عينَيها وأَودَعته رجاءها وانتظارها... لم تَعُد إلى الناصرة، بل بقيت في أورشليم تنتظرُ الخبر السعيد. وها هي المجدليّة، تلك المرأة التي حرَّرها ابنُها من شياطينها، تَزفُّ الخبرَ إليها.
تَلقَّتْ الخبر. قامت وغسلت وجهَها. والماءُ سائلٌ على بشرتها الطريّة، قالت في سرِّها: الآن يبتدئ كلُّ شيء. اليوم تبتدئ المسيرة. ابني، كما سابقًا، لم يَعُد لي، بل أصبح مُلكَ الناس ومُلكَ أحبّائه. أصبح رجاءَ الذين لا رجاء لهم، وقيامةَ الساقطين، وسَلوةَ الحزانى.
أصبح ابني، بقيامته، سيّدَ التاريخ وعبدَه في آن معًا: سيّدَه، لأنّه طحنَ الموت وكان أوّلَ القائمين؛ وعبدَه، لأنّه صار سجينَ محبّةِ الناس عبر العصور.
أنا أُمُّه، وأنتم يا من يعمل إرادة أبيه الذي في السماوات، أمُّه وأبوه وإخوته وأخواته.
قام ابني اليوم، وسيقوم في كثيرين وينتصر. لن يموتَ بعد اليوم، لا هو ولا مَن يَحييون به.
آهِ من المجدليّة، كم أَطرَبَ خبرُها قلبي وقلبَ التاريخ!