زياد الصائغ
كتب زياد الصائغ لموقع mtv:
حين كتب أحمد بيضون في مؤلّفه "الجمهوريّة المتقطّعة" (دار النهار 1999) تحت عنوان "مصادر العنف ومصائر المشاركة": "لقد اجتاز لبنان أيام فقرٍ وأيّام نتانة، وأيّام ظلمةٍ، وأيام خوف، أياماً لفظ فيها بعشرات الالاف من النفوس قِواه الحيّة، وبقي، وهو يجتازها، بلاداً ذات جاذبيّة (...)" (ص 22) ليُضيف متسائِلاً: "ما حال الحياة المشتركة، اليوم، في ما يعدُ السلام، بعد أن عانَينا ما ابتُلِيَ به ميثاق السلام من تخريق، وما آل إليه السلام، إذ قارف أن يرتدّ الى مجرّد حلول للعُنف السياسي، أي الرّمزيّ، محلّ العُنف المادي؟ ما الذي تبقّى لنا من الحياة المشتركة؟" (ص 57)، حين كتب أحمد بيضون ذلك وتساءَل، كُنّا تجاوزنا سنواتٍ ثلاث بعد اتفاق الطائف، إذ هي مقاربته كانت تعود للعام 1994.
منذ ذلك الحين ثمّة بحثٌ في العُمق في كيف تحوّلت قِوى الأمر الواقع التي شاركت في الحرب أو كانت وليدها، تحوّلت قوى السّلام اللبناني المفترض ممهورةً بوصايةٍ مباركة إقليميّاً ودوليّاً، منذ ذلك الحين ثمّة بحثٌ في دَور هذه القِوى في توليد التعقيدات البنيويّة لإبقاء لبنان مصدّعاً على كلّ المستويات السياسيّة، والسياديّة، والاقتصاديّة - الاجتماعيّة، وحتى الدستوريّة خًلوصاً الى سياسةٍ خارجيّة لا تمُتُّ بصِلةٍ الى خياراته الحضاريّة التي وضعها الآباء المؤسّسون في الميثاق، ونجح الرئيس فؤاد شهاب في ترجمتها السياسيّة رمزيّاً في لقاء الخيمة مع الرئيس جمال عبد الناصر.
منذ ذلك الحين أرادت هذه القوى لبنان حقل تجارب لممارسة نفوذها وتقوية شرعيّتها بعيداً عن المصلحة العامة. لم تُنشىء منظومة أمنٍ قوميّ بمعنى التكامل بين القِيم المشتركة والمصالح المشتركة. حافظت على إمكانيّة استنفار العصبيّات الطائفيّة والمذهبيّة غبّ الطلب. صنعت فتناتٍ وسوَّقت أنها من يستطيع وأدها. خضعت دوماً للتكتيك. مارست التقِيّة مع الأقوى. حقلُ التجارب هذا بخصائصه التفجيريّة لم يفهَم لا التحرير (2000) ولا التحرُّر (2005). ساهم في استمراره النّاس في صناديق الاقتراع.
"العيش معاً" و"السِلم الأهلي" لم يحصُلا على جرعاتِ استدامة لا بالمفاهيم ولا بالسّياسات. وفي هذه اللحظة التاريخيّة التي نعيش على أبواب ذِكرى مئويّة لبنان الأولى تمارس هذه القوى ممهورة بوصاية جديدة تراجيديا الفدراليّات المفخّخة نازعةً الى توتاليتاريّة مقنّعة.
لم يعُد من مكانٍ للأمل وابتداع الرّجاء هنا من ما فوق الأمل المفقود يتطلّب معجزة. زمن المعجزات ولّى إلا بثورةٍ في الثورة.