الحكومة تنقلب على الدستور: الصندوق أولًا
17 Nov 202506:35 AM
الحكومة تنقلب على الدستور: الصندوق أولًا
نداء الوطن

باتريسيا جلّاد

نداء الوطن
لا تزال مسألة شدّ الحبال قائمة في مسألة ما إذا كانت قرارات الهيئة المصرفية العليا قابلة أو غير قابلة للطعن بها، وما إذا كان يمكن للحكومة التي تلتزم برأي صندوق النقد الدولي، وأن تتخذ قرارات تعلو على قرارات المجلس الدستوري وجعل قرارات الهيئة غير قابلة للطعن. فهل يمكن تعديل القرارات الصادرة عن المجلس الدستوري ولماذا تلتزم الدولة بآراء صندوق النقد؟

ورد في قانون إصلاح وضع المصارف وإعادة تنظيمها أن قرارات الهيئة المصرفية العليا تعتبر نهائية ونافذة وغير قابلة للطعن العادي تفاديًا للتأخير في إعادة الهيكلة أو التصفية.

في أيلول 2025 قدّم عشرة نواب طعنًا باعتبار أن هذه المادة تمنع المعترضين المودعين أو المساهمين من الطعن بقرار الهيئة المصرفية.

بعد الطعن وتحديدًا في 3 تشرين الأول بقرار رقم 16/2025 عدّل المجلس الدستوري القانون مؤكّدًا حق المصارف بالاعتراض ووقف تنفيذ قرار الهيئة موقتًا.

فأبطل المجلس الدستوري الفقرة المتعلقة بقرارات الهيئة من المادة 31 من القانون رقم 23/2025 لأن عدم إمكانية الطعن بقرارات الهيئة يشكّل مسًّا بحق التقاضي المكفول دستوريا بموجب المادة 20 من الدستور اللبناني إذ يمنع المتضرّرين من مراجعة القضاء بصورة فعّالة ويقيّد حق الدفاع. وبذلك باتت قرارات الهيئة المصرفية العليا قابلة للطعن أمام القضاء المختص ضمن حدود القانون العام أي لم تعد محصّنة بالكامل وفقًا للنصّ.

الحكومة اللبنانية عادت وعدّلت من جديد هذا القرار الصادر عن المجلس الدستوري فأعادت الصلاحية للهيئة المصرفية العليا التي أناطها بها قانون إصلاح وضع المصارف لتكون قراراتها غير قابلة للطعن وفقًا للنصّ الأصلي للقانون. الأمر الذي أثار جدلاً قانونيًا حول جواز ذلك والجهة التي ترى أن قرارات المجلس الدستوري في هذه المادة لا يمكن السير بها وهي صندوق النقد الدولي.

ماذا يقول القانون؟

من الناحية القانونية يقول المحامي سعيد مالك لـ "نداء الوطن" إنه يجب على الحكومة ومجلس النواب احترام قرارات المجلس الدستوري إذ عملًا بأحكام المادة 13 من القانون 250/93 هي قرارات تتمتع بقوة القضية المحكمة وملزمة لكافة السلطات. فقرارات المجلس الدستوري ثابتة وأكيدة ومبرمة وغير قابلة لأي طريق من طرق الطعن، معتبرًا أن ما قامت به الحكومة يعدّ إجراءً مخالفًا للدستور".

فما قامت به الحكومة باتخاذ قرار مخالف لتشريع المجلس الدستوري يقول مالك "سيكون حكمًا قابلًا للطعن ويمكن لعشرة نواب على الأقل أو رئاسة مجلس الوزراء أو الحكومة أو مجلس النواب التقدّم بطعن أمام المجلس الدستوري إذا صدر القانون ولم يعمل على مراعاة ما ذهب إليه المجلس الدستوري".

واستناداً إلى معلومات "نداء الوطن" فإن قرار الحكومة جاء بناء على رأي صندوق النقد الدولي الذي تعتبره الحكومة ملزمًا حتى ولو كان في مجال التشريع (مع احترامه طبعًا) للتمكّن من التوصّل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي.

تعاطي المريض مع الطبيب 

وحول التدبير هذا الذي اتخذته الحكومة أوضحت مصادر مطّلعة أن "تعاطي صندوق النقد مع لبنان هو حالة شبيهة بتعاطي المريض مع الطبيب. لا أحد يحبّ زيارة الطبيب ولكن عند الحاجة تترتب عليه زيارته والالتزام بالوصفة التي يكتبها له للتمكّن من الشفاء. وما يقال إن لبنان يلتزم بما يمليه صندوق النقد هي ملزمة تقنيًا للبنان للتمكن من التوصّل إلى توقيع برنامج مع الصندوق".

ومعلوم أن توقيع برنامج مع صندوق النقد الدولي لا يترجم على الأرض من خلال قرض الـ 3 مليارات دولار وإنما من خلال "صكّ الثقة" الخارجية الذي سيحصل عليه لبنان والذي سيكون ممرًا لدعم سائر الدول للبنان لا سيّما الدول الخليجية، الأمر الذي بات راسخًا في الأذهان .

واستنادًا إلى المصدر إن "لبنان غير ملزم بتطبيق ملاحظات صندوق النقد وفي المقابل الأخير غير ملزم بتبني ما تقوم به الحكومة إذا كان خارج الممارسات التي هناك تآلف حولها دوليًا. مبرّرًا التعديلات التي قامت بها الحكومة تماشيًا مع إرادة صندوق النقد هي للإستجابة لكل متطلبات المجلس الدستوري لناحية الأخذ بقرار المجلس الدستوري وتصحيح قراراته في مجلس النواب. لأن الطعن وصل بعد أن أرسلت التعديلات إلى مجلس الوزراء والأخير أرسلها إلى مجلس النواب الذي لم يبحثها بعد . وستدرج الحكومة من خلال وزارة المال كل التعديلات التي وضعها المجلس الدستوري وسنذهب بملاحظات صندوق النقد إلى المجلس النيابي".

وأكّد المصدر أن "صندوق النقد يمكن أن يحارج الدولة في النصوص المكتوبة وفي كل كلمة وملاحظاته يمكن أن تمسّ بجوهر القانون وتجاوزناها ولكن هناك ملاحظات أخرى لا تزال ضمن هامش القبول لا تمسّ بجوهر القانون. يمكن التأويل في القوانين التي تصدر والقول أقرّ القانون في مجلس النواب لا يمكن ردّه أو القول إنه يجوز إعادة تعديله على غرار ما حصل في قانون السرية المصرفية الذي لم ينفذ بكل سهولة أجرينا تعديلات عليه في العام 2022 وأجرينا تعديلًا آخر في العام الجاري 2025.

التعديلات ليست مسألة مستحيلة خصوصًا في وضعنا الراهن غير الطبيعي، في لبنان نحاول في ظلّ أزمة مالية كبيرة جدًّا أن نعدّ قانون إصلاح المصارف معلّقًا على إصدار قانون الفجوة المالية، هناك لبس من قبل النواب في أن قانون إصلاح المصارف هو قانون خاص لمعالجة الأزمة التي نتخبّط فيها بينما هو قانون إطار عام".

رد على الرد

هذه التوضيحات لا تقنع القانونيين، على اعتبار أن المسألة لا تتعلق بتجاوز القوانين لإرضاء صندوق النقد، بل فيها تجاوز للدستور نفسه. والطامة الكبرى، انها تأتي بعدما أعلن المجلس الدستوري قراره، بما يوحي وكأن الدولة تنتصر لرغبة صندوق النقد، وتكسر قرار أعلى مرجعية قانونية لديها المخولة الحكم على دستورية القوانين، والتي لا تستطيع أي سلطة في لبنان تجاوزها. وبالتالي، لا يبدو طبيعيًا أن تسلك الحكومة هذا الطريق، لتلبية أي رغبة يبديها صندوق النقد، خضصوصًا أنها تدّعي عدم تنفيذ كل رغبات الصندوق وأنها في أكثر من مناسبة رفضت بعض الإملاءات. فإذا كان هذا الادعاء صحيحًا، ألم يكن من الأجدى أن تتصدّى لهذه الرغبة بالذات احترامًا للمؤسسة القضائية الدستورية التي قالت كلمتها في هذا الموضوع؟

في ظلّ الأخذ والردّ القائم حول قرارات الحكومة ومجلس النوّاب، يجب أن يكون هناك حرص على أن تبقى ملاحظات أو مطالب صندوق النقد الدولي ضمن ما ينصّ عليه القانون أو على الأقل الدستور اللبناني، واحترام هذا المبدأ يبقى الأولية مع إيجاد مخارج ترضي كل الأفرقاء المتضرّرة.