محمد بلوط
الديار
لم يكن احد يتوقع ان تكون المعركة عنيفة بهذا الشكل، واستطاعت المقاومة القيام بعمليات حربية وعسكرية ادت الى انتصارات ساحقة وسريعة، قل نظيرها في المعارك والحروب في 4 مناطق مكتظة بالتضاريس في جرود عرسال وبعلبك وغيرها.
حققت المقاومة انتصارات هامة وسيطرت على تلال استراتيجية كان يستخدمها التكفيريون ضد الجيش اللبناني واللبنانيين، وقد خطفوا وقتلوا وقصفوا من مراكزهم كل منطقة السلسلة الشرقية والقرى والوديان وصولاً الى القاع، واذا بقوة حزب الله توجه اليهم ضربة قاصمة قضت على كل شيىء يقال عن قدرة التكفيريين في القتال حتى الموت. فاذا بهم يفرون ويضيعون ويتوهون في الوديان والجبال، واذا بهم يقعون قتلى وجرحى وأسرى بالمئات، وهكذا يمكن تبشير اللبنانيين بأن الخط التكفيري الذي كان يقطع الرؤوس ويذبح وينشر الشر، قد ازالته المقاومة بالتنسيق مع الجيش العربي السوري، وانتهى اللبنانيون منه الى غير رجعة، وباستطاعة قرى البقاع، خاصة المسيحية منها أن تعيش باستقرار واطمئنان وأمان مع انتصار المقاومة على التكفيريين خلال 48 ساعة، أما بقية المعارك ستستمر، لكن المسألة مسألة أيام أو أسبوعين وتكون المقاومة قد أنهت الوجود التكفيري ودمرته وشردته وطردته من تلك المنطقة أبشع طرد وانتصرت عليه، وعلى هذه العصابة القاتلة المجرمة.
المراكز التي سيطرت عليها المقاومة لا يمكن تعدادها، لكن المقاومة سيطرت على القمم والتلال والمراكز الاستراتيجية، حيث اصبحت كل مراكز التكفيرين ساقطة بالنار، ولم تعد تستطع أن تقاوم قوة حزب الله المرتفعة الآن بعد السيطرة على التلال والوديان والكهوف والمغاور وغيرها، فيما تفر جماعة جبهة «النصرة» و«سرايا أهل الشام» وغيرهم من المنطقة الى مناطق بعيدة، وقد تمكن حزب الله من السيطرة عسكرياً على المسلحين، وليلاً وتحت اشراف حزب الله سمح لمئتي مقاتل من «سرايا أهل الشام» باللجوء الى مخيم النازحين بعد تجريدهم من السلاح، وتسليم كل معداتهم واصبحوا تحت سيطرة المقاومة سيطرة كاملة.
معركة الجرود ستنعكس على الساحة اللبنانية انعكاساً هاماً جداً، وستنهي اوكار التكفيريين في الجرود، ويرتاح لبنان من الخلايا الارهابية التي كانت تنطلق من جرود القلمون وفليطا وتقوم بعمليات انتحارية داخل الاراضي اللبنانية.
فقد تواصلت امس لليوم الثاني على التوالي معركة تحرير جرود عرسال والجوار وتطهيرها من المسلحين الارهابيين، وتهاوت مواقع ومرتفعات استراتيجية كان يتحصن فيها الارهابيون من «النصرة» وملحقاتها لا سيما المرتفعات المشرفة على وادي الخيل احد اهم معاقل هذه المجموعات، وتلك المشرفة على وادي العويني الذي بات ساقطاً عسكرياً.
ونجح مقاتلو حزب الله من التقدم وتحرير العديد من المرتفعات والتلال الاستراتيجية وسط حصول المزيد من التخبط والانهيار في صفوف مسلحي النصرة وفتح الشام وغيرها.
وافادت المعلومات المتتالية عن رفع مجموعات تابعة لهذا التنظيم الرايات البيضاء في منطقة عقاب الدب بالقرب من وادي الخيل، بينما سمعت نداءات الاستغاثة للارهابيين في وادي حميد يطالبون المؤازرة، في وقت ارتفعت اعلام لبنانية في مخيمات النازحين السوريين في المنطقة تعبيراً عن تأييدهم لحماية الجيش اللبناني.
وذكرت المعلومات ايضاً انه بعد انهيار العديد من مواقع النصرة تم اسر عدد منهم وبينهم مسؤولون.
في هذا الوقت نجح الجيش اللبناني في حماية امن بلدة عرسال ومخيمات النازحين السوريين المجاورة، معززا طوق الامان في المنطقة. كما افشل سلسلة محاولات تسلل لمجموعات ارهابية الى منطقة المخيمات والمدينة، وقصف بالمدفعية الثقيلة تحركات هذه المجموعات ما ادى الى ايقاع عدد من القتلى والجرحى في صفوفهم وتدمير الية على الاقل.
وفي قراءة اولى لمجريات المعركة في اليومين الماضيين يمكن تسجيل النقاط الاتية وفقا لمصادر امنية والاعلام الحربي:
- نجح مقاتلو حزب الله من فرض ايقاعهم وسيطرتهم على مسار المعركة منذ بدايتها، وتمكنوا في اليوم الاول من اسقاط خط الدفاع الاول للارهابيين، وتحرير عدد من الاودية والمرتفعات المتحكمة بمساحات واسعة من المنطقة.
- تقدم الحزب في اليوم الثاني باتجاه خط الدفاع الثاني للارهابيين والنصرة لا سيما مراكز عملياتهم العسكرية في وادي الخيل ووادي العويني، وتحرير تلال ومرتفعات استراتيجية تشرف على المنطقتين.
- حصول مواجهات مباشرة استخدمت فيها المدفعية المباشرة والرشاشات الثقيلة وسقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف الارهابيين لا سيما من «النصرة» واعترفت تنسيقيات الارهابيين بمقتل 17 مسلحا في اليوم الاول.
- استخدام حزب الله صواريخ ثقيلة قصيرة المدى لضرب مواقع وتجمعات للاليات والمسلحين، وتحقيق اصابات مؤكدة لهذه المواقع وتدميرها.
- تحقيق تقدم مماثل على محور فليطا السورية للجيش السوري وحزب الله وتحرير مساحات واسعة ومرتفعات مهمة باتجاه شرقي عرسال.
- لم يدخل الجيش في المعركة مباشرة، واكتفى في اليومين الماضيين بقصف تحركات الارهابين ومحاولات تسللهم باتجاه بلدة عرسال ومخيمات النازحين، وافشل هذه المحاولات الهادفة الى توسيع رقعة القتال وخلق اجواء بلبلة وفتنة في المنطقة.
- شن الطيران الحربي السوري سلسلة غارات جوية على المناطق وجرود القلمون وفليطا وعرسال من الجهة السورية، مستهدفا مراكز وتحركات الية للارهابيين، ومؤازرة تقدم الجيش السوري وحزب الله في المنطقة.
- فشل محاولات الوساطة لاستسلام مجموعات ارهابية في بعض المواقع، وقتل احد الوسطاء احمد فليطي في بلدة عرسال واصابة آخر فايز الفليطي. الامر الذي يعكس الارباك الكبير في صفوف المجموعات الارهابية نتيجة الانهيارات المتتالية لمواقعهم والخسائر الكبيرة التي لحقت بهم.
واصدر الجيش اللبناني بيانا اكد فيه ان احمد الفليطي قتل جراء صاروخ اطلقه مسلحو جبهة النصرة على سيارته مع فايز الفليطي الذي بترت ساقه، وقد امن الجيش نقلهما الى المستشفى وتوفي احمد متأثراً بجراحه.
وفي سياق متصل وصف اجواء المعركة، مصدر مطلع لـ«الديار» استناداً لمصادر الاعلام الحربي ان مقاتلي المقاومة حققوا نجاحات في اليومين الماضيين اكثر من التوقعات، مشيرا الى ان القتال يستمر بوتيرة مدروسة وفق الخطة المرسومة.
وقال ان سير المعركة يأخذ بعين الاعتبار جملة عناصر ابرزها تثبيت وضع المناطق المحررة، وتضييق الخناق على المسلحين الارهابيين، وتفادي وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوف المقاومين.
وذكرت مصادر مطلعة في الاعلام الحربي بارتقاء 15 شهيدا من حزب الله على مختلف المحاور مشيرة الى ان الخسائر في صفوف المسلحين الارهابيين كبيرة، عدا عن تدمير العديد من المواقع والاليات العسكرية.
النتائج الميدانية
وتمكن حزب الله ميدانيا في اليومين الماضيين من تحرير مساحات واسعة وقمم ومرتفعات عديدة ابرزها:
- قرنة وادي الخيل ومرتفع قرنة القنزح بعد اشتباكات عنيفة استخدمت فيها مختلف انواع الاسلحة.
- المرتفعات المشرفة على وادي العويني الذي اصبح ساقطاً عسكرياً.
- مرتفع تيار الحطب وتلة العلم احد اهم التلال المشرفة على منطقة العمليات العسكرية لجبهة النصرة، واحدى معاقل اميرها ابو مالك التلة.
- مرتفع ضهر الهوة حيث بث الاعلام الحربي شريط فيديو يظهر مقاتلو حزب الله وهم يرفعون علم لبنان وعلم الحزب على اعلى نقطة في المرتفع.
- مرتفعات ضهر الصفا، ضليل الخيل، منطقة الازابة، بالاضافة الى سهل الرهوة، وجوار الشيخ، وضليل الابيض، وسرج قويض في جرود عرسال الجنوبية.
- مرتفعات خربة الجوار، والكرة، والضليل الاسود وحرف وادي العويني، ومرتفع الشجرة من محور جرود فليطا.
- سيطر مقاتلو حزب الله ايضا على جزء من منطقة الكسارات احدى اهم مناطق النصرة العسكرية.
في تقييم سياسي واستراتيجي للمعركة قال مصدر سياسي بارز لـ «الديار»ان معركة جرود عرسال والجرود الشرقية بصورة عامة تكتسب اهمية كبيرة ليس على الصعيد الميداني فحسب بل ايضا على الصعيد الاستراتيجي والسياسي وهي تحقق جملة اهداف ابرزها:
- تحرير وتطهير هذه المناطق الواسعة من الاراضي اللبنانية من وجود المسلحين الارهابيين من النصرة وداعش وملحقاتها، واعادتها الى السلطة اللبنانية.
- اغلاق المنافذ الحدودية في وجه تسرب المجموعات الارهابية، وتحقيق المزيد من شبكة الامان الحدودية وحماية لبنان اكثر من اية عمليات ارهابية في الداخل.
- اعادة وتعزيز سلامة وامن مدينة عرسال والقرى الحدودية الاخرى مثل راس بعلبك والفاكهة والعين والقاع وغيرها.
- تأمين سلامة مخيمات النازحين السوريين في المنطقة، وتعزيز الاجراءات لترتيب وضعها ومنع اي خرق ارهابي فيها.
ومن ابرز النتائج السياسية يضيف المصدر، ان نجاح هذه المعركة يعزز ويحصن لبنان وامنه، ويساهم مساهمة كبرى في محاربة الارهاب والمجموعات والخلايا الارهابية في الداخل.
ويقول المصدر ان الدول والجهات الخارجية لا سيما الغربية منها باتت على معرفة اكثر بأن ما يجري يحمي لبنان ويحفظ استقراره وامنه، وبالتالي فإن بعض الاصوات النشاز في الداخل والخارج ليس لها اي تأثير على مسار الوضع العام في البلاد.
وبرأيه ان هناك تقاطعا دوليا بعد لقاء الرئيسين الاميركي والروسي مؤخرا في حفظ استقرار لبنان وامنه، ومنع التهديدات الارهابية له. لا بل ان ما ظهر مؤخرا في سوريا لجهة نجاح الجيش العربي السوري في توسيع انتشاره وتحقيق انتصارات على غير محور يؤكد ان منطق الحرب على الارهاب التي تقودها دمشق بدعم من حلفائها لا سيما روسيا وايران انتصر على سائر الرهانات.
وقال المصدر ايضا ان حسم معركة جرود عرسال وتحريرها من الارهابيين سيفتح في مرحلة لاحقة الباب امام معالجة ازمة النازحين السوريين المتفاقمة عبر العمل على اعادتهم الى سوريا وتنظيم هذه العودة.
ودعا الحكومة للعمل من اجل التحضير لهذه المرحلة ومساواة نفسها مع الوفود الفرنسية ومن الكونغرس الاميركي التي زار سوريا، ناهيك عن الخطوط المفتوحة بين جهات امنية من دول عربية واجنبية مع الجهات الامنية السورية الرسمية.
واضاف: لدينا علاقات ديبلوماسية بين البلدين، ومن الطبيعي التواصل بينهما للتعاون والتنسيق في معالجة ملف النازحين، ويمكن ا ن يأخذ هذا التواصل اشكالا وقنوات عديدة، مع العلم ان بإمكان رئيس الجمهورية وفق الدستور ان يكلف موفدا رئاسيا للقيام بهذه المهمة لتجنيب رئيس الحكومة سعد الحريري اي احراج.
والجدير بالذكر ان الحريري وصل امس الى الولايات المتحدة في زيارة رسمية يلتقي خلالها بعد غد الثلاثاء الرئيس الاميركي دونالد ترامب حيث يتناول ملف المحادثات قضية النازحين السوريين، ومواضيع ذات اهتمام مشترك منها استمرار المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، وما يتعلق بالشأن المالي والاجراءات المالية الاميركية التي تطاول لبنان.