فادي شهوان
تفاءلنا خيراً الاسبوع الفائت وتوقّعنا أن يرفع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري تشكيلةً تضمّ جميع القوى لو لم يتوقف الزخم في اللحظة الاخيرة تحت عنوان الخلاف على وزارة العدل بين رئيس الجمهورية وحزب القوات اللبنانية، معوّلين على أنّ القوى السياسيّة أدركت حراجة الموقف السياسي والاقتصادي والمالي، لكن للاسف يبدو أنّ الصورة السوداويّة التي نراها لم تصل بعد الى قصورهم والحالة المأسويّة التي نعيشها لم تتخطّى أسوار بيوتهم.
في اي حال فان "عقدة العدل" هي التي فرملت التأليف في ربع الساعة الأخير، محدثةً فجوة إضافيّة بين بعبدا ومعراب. ولكن، هل حقاً تراجع الرئيس ميشال عون عن وعدٍ بأن تكون حقيبة "العدل" من حصّة "القوات"؟ أم أنّ الرئيس المكلّف فهم خطأً من خلال قنوات الاتصال بين بيروت وأرمينيا ليونةً لدى الرئيس حول هذا الموضوع؟
فإذا كانت مصادر القصر الجمهوري تنفي باستمرار أن يكون الرئيس وافق على أن تتسلّم "القوات" حقيبة العدل، فلماذا ادرج الرئيس المكلف "العدل" ضمن لائحة الحقائب التي عرضها على "القوات"؟ هل يحاول الرئيس الحريري وضع الفريقين المسيحيّين وجهاً لوجه في حلبة تشكيل الحكومة؟ وفي حال كان المسعى لإبعاد "القوات" عن "العدل" فلماذا لا تكون هذه الحقيبة من حصة فريق "المستقبل" ويستغني في المقابل عن وزارة الاتصالات الى حليفه "القوّاتي"؟ هل يبادل "المستقبل" حقيبةً سياديّة بحقيبة وازنة "جدّاً"؟
ولماذا تتمسّك "القوات" بمبدأ الحقيبة الوازنة بينما شعارها هو المشاركة في الحكومة على قاعدة المراقبة من الداخل وعدم السماح بتمرير أيّ ملفٍّ فيه رائحة فساد، لأنّ المراقبة من الخارج لم تجد نفعاً؟
الى اي مدى تستطيع "القوات" المناورة، علماً أنّ هناك توجهاً جديّاً يدعو الى تقديم تشكيلة من دون "القوات" تضمّ في المقابل وزيرين للكتائب، على الرغم من أنّ هذا التوجّه سُحب من التداول.
قد يكون ظاهر الخلاف هو الأحجام والحصص الوازنة، لكنّ باطنه هو محاولة جميع الفرقاء فرض السيطرة على "اجهزة التحكم الأساسيّة" في الدولة على مدى السنوات المقبلة، ووزارة العدل تأتي في هذا السياق.
في الانتظار، عادت عقدة نواب ٨ آذار الى سطح المطالبات موجّهين ملامة الى حلفائهم اكثر من الرئيس المكلّف، بينما استغنى الحزب التقدمي الاشتراكي عن حليفَيه "المستقبل" و"القوات" في مباراة الذهاب وكشف اوراقه باكرا قبل إنضاج التسوية الشاملة، مستغنياً عن المقعد الدرزي الثالث في سبيل تأمين وزارة وازنة هي التربية عن طريق عين بعبدا - عين التينة من دون المرور ببيت الوسط موجّهاً ضربة في مرمى الحريري.
بات من المؤكد أنّ العنصر الإقليمي والدولي غائب عن تشكيل الحكومة، اقله عملية الـ retouche الاخيرة، لكن من المؤكد ان الوقت يداهمنا ليس لأن الوضع الاقتصادي خطير جدّاً وهناك استحقاقات وتحدّيات مهمّة تنتظرنا فحسب، بل بسبب العقوبات الاميركيّة على حزب الله بعد الرابع من تشرين الثاني المقبل. ولا شكّ اننا كلبنانيّين نكابر كثيراً لأنّ لدينا عنفواناً كالصخر، كما يفعل اليوم حزب الله لكنّه يدرك إدراكاً تامّاً أنّ العقوبات المنتظرة ستكون ضربة موجعة لأنّها لن تطال قياديّين فقط، بل ستطاول أيّ مؤسسة او مصرف او اي شخص يقوم بأيّ عمليّة تعاون مالي أو استثماري مع حزب الله أو أيّ مؤسّسة أو شخص محسوب أو قريب من الحزب، وبدأت ترتفع أصوات في الولايات المتحدة الأميركيّة تعتبر أنّ أيّ حكومة تضمّ حزب الله ستكون تجاوزاً للخطّ الأحمر، يقابل هذا التوجه عقوبات هي الاقوى ضد ايران وعلى الدول التي تتعاون اقتصاديّاً معها.
لذلك، من الضروري الاستعجال في تشكيل الحكومة لأنّ بعد الرابع من تشرين الثاني قد يكون ذلك مستحيلاً...