على فوقة، أين صار تأليف الحكومة العتيدة، التي قيل إنها تبرك كالجمال في دوارة الجنرال ميشال عون الذي صعَّد حملته العشوائية على الرئيس ميشال سليمان؟
كدنا ننسى هذا الأمر الجلل.
بل كدنا ننسى أن البلد بلا حكومة.
والأصح كدنا ننسى ان من الضروري أن تكون لنا حكومة...
ما أحلى وما اهون خلاف الأغريق على جنس الملائكة، إزاء خلاف طواويس السياسة في لبنان على جنس الحقائب الوزارية، سواء السيادية أم تلك التي تبيض ذهباً أم هاتيك التي لا تختلف عن البقرة الحلوب.
ولا تنتهي الخلافات والكباشات عند هذه الحدود، إذ يليها الانقسام والانفصام الأشدُّ والأَدهى حيال الحصص. والثلث الضامن. والثلث المعطِّل. والثلث المرجِّح الذي يتيح لهذا الطاووس أو ذاك التحكم برقبة الحكومة، ورقبة البلد، ورقاب الناس.
هي نفسها ذاتها إياها قصة ابريق الزيت، تتكرر فصولاً لدى دخول البلد في ورشة تأليف حكومة جديدة، وحيث ترجع حليمة الى عادتها القديمة.
إلا أنَّ الظروف والأحداث والتطورات والثورات والتغييرات تعصف بالمنطقة العربية، بلداً بلداً، بيتاً بيتاً، شبراً شبراً، زنقة زنقة، فرداً فرداً...
وما زاد الطين بلَّة، لبنانيّاً، في عزِّ هذا الاعصار الهادر، طغيان الغرور المطعَّم بالنزق والشخصانية والدلع لدى بعض الذين لا يرون أبعد من أنانيّتهم، ومصلحتهم، فيما لبنان المشلول والمعطَّل ينزف ما تبقّى لديه من عوامل الصمود والاستمرار.
تأليف الحكومة العتيدة هو موضوعنا اليوم، في ضوء ما سمعناه من تشديد على عدم التمادي في اللعب بما هو أخطر من النار. فلبنان لا يزال على حاله، وعلى هشاشة وضعه، وعلى تداخل المحلّي وتداعياته المتعددة مع دور الخارج والاضطرابات التي تطوِّقه بدوره من أربع رياح الأرض.
لا شكَّ في أن الرئيس نجيب ميقاتي ينتظر ترياق الحل من لدن دمشق، وبصورة واضحة لا لبس فيها ولا مواربة. لكن العاصمة السورية لا تبدو مستعجلة لتقديم أية مساعدة فعَّالة، أو أي حل فعلي، قبل جلاء الغبار فوق ليبيا واليمن... على الأقل، وباعتبار أن عاصفة البحرين تستطيع الانتظار.
إذاً، ما العمل؟
والى أيّ مدى الاعتماد على التأجيل والمماطلة، وتحت غطاء أسباب تكاد تصبح وهميَّة أو مصطنعة، وريثما تصل كلمة السر الى بيروت، والى الرئيس المكلَّف، والى الجنرال المعرقل، والى الحزب القائد، والى جوقة الزجل السياسي وقارعي الأجراس والطبول؟
ما من رغبة لدى الأفرقاء المؤثّرين في افتعال أزمات تصعب السيطرة عليها، على ما يقول ناقلو الرسائل بين بيروت ودمشق.
إنما إلى متى التأجيل والانتظار والمماطلة والاختباء وراء مطالب الجنرال، أو خلف خيال الأصابع؟
أمس سمعنا ان "القوى الاقليميَّة"، أي دمشق وطهران على الأقل، تدفع بقوة في اتجاه التأليف. فلننتظر نتائج هذا "الدفع".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك