يحمل التيار الوطني الحر على تيار المستقبل «كمنتهك لحقوق المسيحيين»، و«مخرّب» صيغة المناصفة لصالح المثالثة. لا يستكين المستقبليون للاتهامات العونية: «التيار الوطني الحرّ مدّعي الدفاع عن حقوق المسيحيين، فليقنع حلفاءه أولاً»
يقتنع التيار الوطني الحرّ بأن المناصفة التي يعتّد بها الدستور اللبناني بين المسلمين والمسيحيين هي مجرّد حبر على ورق، وأن هذا المبدأ سقط مع اتفاق الطائف، و«ما تلاه من ترويض للنظام اللبناني وانتهاك لحقوق المسيحيين».
واليوم، يقتنع العونيون أكثر وأكثر بأن المثالثة بين السنّة والشيعة والمسيحيين باتت أمراً واقعاً، «نصف تحوّل إلى ثلث، ونصف آخر إلى ثلثين». ولنحزر، المسؤول عن استبدال الصيغة القديمة بتلك الجديدة «غير المنصفة»، من وجهة نظر العونيين، هو تيّار المستقبل أو «الحريريّة السياسية»، ولو حلف المستقبليون على كلّ الكتب السماويّة، وليس على القرآن فحسب.
ما قاله وزير الطاقة جبران باسيل أمس حول ثبات المثالثة ومسؤولية المستقبل عنها ليس سوى غيض من فيض. يقول العونيّون إن هذا الأمر القديم «جرى الآن فضحه وتعريته»، بعد الرفض المطلق الذي أبداه المستقبل لأي نقاش في القانون الانتخابي الذي أنتجه اللقاء الأرثوذكسي.
واستلّ باسيل من جعبته أكثر من دليلٍ على ثبات واقع المثالثة، وعلى رأسها نزع صلاحيات رئاسة الجمهورية في اتفاق الطائف، ومن ثمّ تسويق مسألة حصول المناصفة في المجلس النيابي، «وفي ما بعد بات يتم التعاطي معها على أنها شكلية» بحسب باسيل. وأشار وزير الطاقة أيضاً إلى مسألة التجنيس، للعودة إلى ما حصل مطلع التسعينيات، وما عُدّ يومها «تغييراً ديموغرافيّاً، وكسراً للتوازن العددي بين المسلمين والمسيحيين». ولا تنتهي لائحة باسيل، من دون ذكر مسألة الهيئات والصناديق التي عملت حكومات الحريري والسنيورة من بعده على إلحاقها برئاسة الحكومة، بما يعطّل عمل الوزارات المعنيّة، ويحصر الصلاحيات برئاسة الحكومة، وبالتالي زيادة صلاحيات طائفة على حساب طائفة أخرى.
ويضيف العونيون على أدلّة وزير الطاقة «تمسّك المستقبل بأكثر من 15 نائباً مسيحياً في كتلته»، فضلاً عن تحديد مصير عدد من نوّاب 14 آذار المسيحيين من خارج الأحزاب، والذين ينتحلون صفة مستقلين.
لا يتوافق الاتهام العوني للمستقبل مع ما سُوّق قبل فترة في دوائر قوى 14 آذار عن أن المسؤول الحقيقي عن عمليّة فرض المثالثة كأمر واقع هو حزب الله، إذ تناقل الآذاريون في الصالونات أن صفقةً ما يجري الإعداد لها مع حزب الله، من قبل «من يقرّرون في الصفقات الكبرى»، لاستبدال سلاح الحزب بمثالثة حقيقية في النظام اللبناني، تكفل للحزب أن يكون شريكاً في الثلث في الدولة والحصص والمال والخدمات. حتى إن بعضهم ذهب بعيداً في ذكر عدّة نقاط لآلية «الصفقة» مع الحزب ومن خلفه إيران، بحيث تشمل عناوين إقليمية من العراق إلى البحرين إلى سوريا، لوضعها في سياق حل إقليمي لمناصفة شيعية ـــ سنيّة لإدارة الإقليم، من ضمن التسوية الشاملة. وبالطبع، فإن كلاماً من هذا النوع يثير الضحك أكثر من الغضب، عند سؤال قيادات الحزب عنه، «لأن المقاومة لا يمكن أن تدخل في أي صفقة على سلاحها، فهذه أوهام».
ومن على ضفّة تيار المستقبل، ثمّة من يرى طرح التيار الوطني الحر مسألة المناصفة أو المثالثة والحديث بهذه الحدّة عن هذا الأمر الآن «طرحاً غير جدّي، واختراعاً لعناوين اشتباكات هدفها الاشتباك السياسي، وبالتالي التحشيد الانتخابي». ويقول المستقبليّون إن التيار الوطني الحرّ يظهر دائماً مظهر «المشتبك مع اتفاق الطائف، ومشتبك مع المسلمين، وبالتالي مشكلته مع حلفائه أولاً وليست معنا، كالرئيس نبيه برّي مثلاً»، إذ لا يمكن وضع تمسّك المستقبل بترشيح نوّاب مسيحيين على لوائحه في خانة الإمساك بالقرار المسيحي، بل يضعه المستقبليون في سياق «اعتبار تيار المستقبل تياراً لبنانياً جامعاً وليس تياراً سنيّاً فحسب». ويأخذ المستقبليون على التيار الوطني الحر دأبه الدائم على «تصوير نفسه كمنقذ للمسيحيين، ولا يرمي سهامه على حلفائه، بل على المستقبل ليكسب التأييد»، في حين يلمّح مستقبلي «مسؤول» «إلى أن المسيحيين في الأصل ما بيطلعلن ما يطالبون به في مشروع اللقاء الأرثوذكسي»، غامزاً من قناة الفارق العددي بين المسيحيين والمسلمين. ويردّ المستقبليون أزمة النقاش الأخير حول قانون مشروع اللقاء الأرثوذكسي إلى كون القانون يجب ألا يكون مقبولاً حتى بالنسبة إلى المسيحيين، «لأنه يعزل اللبنانيين بعضهم عن بعض، ويعيدنا إلى مسألة الأعداد المتفاوتة بين المسيحيين والمسلمين». ويقول مستقبلي آخر إن الأَولى بالتيار الوطني الحرّ أن يضغط على النائب وليد جنبلاط أولاً قبل الهجوم على تيّار المستقبل، «فهو حليفه في الحكومة وليس نحن».
ولا يخرج دعم حزبَي القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية بنظر المستقبل عن سياق المزايدة على التيار الوطني الحر في مسألة «حقوق المسيحيين»، و«ليس اقتناعاً منهم بأن البلد يعيش حالة المثالثة، ويريدون إعادة صيغة المناصفة»، إذ يقتنع المستقبليون بأن القانون الأرثوذكسي لن تكتب له الحياة، و«الكتائب والقوات يعرفان ذلك». ببساطة «الرئيس برّي أو حتى حزب الله لا يمكن أن يسيرا بمشروع تعارضه طائفتان (السنيّة والدرزية)»، بينما يقول نائب رئيس القوات، النائب جورج عدوان، إن صيغة المناصفة تعاني من شوائب كثيرة، «إذ توسّع الشباب في فترة الوصاية السورية على حساب المسيحيين، لكنّ هذا لا يعني أن هناك مثالثة». «نحن نريد المناصفة» يضيف عدوان، «ولا مانع من السير بالقانون الأرثوذكسي، وإلى جانبه بصيغة حل ترضي الجميع».
لبنان لا يحكم بغير التوافق، كما لا يمكن تغيير موازين القوى الحالية من دون تغيير توازنات إقليمية أو معادلات إقليمية جديدة، على الأقل هذا ما تعرفه الجهات اللبنانية على تنوّعها. في رأي مستقبلي «حكيم»، «الأرثوذكسي لا يؤمّن المناصفة، ولا قانون الستين. المسألة الآن على عاتق رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس برّي ووليد جنبلاط، فليخرجوا لنا حلّاً لا ينتج حرباً بدل انتخابات نيابيّة».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك