في خضم السجال السياسي حول قانون الإنتخابات النيابية، وما بين المبادرات والمبادرات المقابلة، تتعدد المشاريع الإنتخابية من دون أن يحظى أي منها بشرف التحول إلى قانون نافذ، مع العلم أن فرص أي منها بالحصول على هذا الشرف باتت قليلة جداً، بالرغم من أن جرعات الأمل التي تضخ يومياً من قبل جميع الأفرقاء كبيرة جداً.
في السابق، كانت جميع المعلومات تتحدث عن أن المماطلة خطة موضوعة من قبل قوى المعارضة هدفها الوصول إلى موعد الإنتخابات من دون أن يتم التوافق على قانون جديد، لكي تحصل على أساس قانون الستين، لكن قوى الأكثرية نجحت في إحباط هذه المحاولة من خلال رفض تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات، فهل بات التأجيل أمراً واقعاً؟
هل بات التأجيل أمراً واقعاً؟
حتى اليوم لا يوجد قانون من الممكن إجراء الإنتخابات النيابية على أساسه، لاسيما وأن وزراء الأكثرية سيعملون على منع تشكيل هيئة الإشراف على الإنتخابات التي ينص عليها قانون الستين، والتي تبين أن وجودها ضروري في حال كان المقصود إجراءها على أساس هذا القانون، ما يعني أن إحتمال تأجيل موعد الإنتخابات بات أمراً واقعاً إلى حد بعيد.
وفي هذا السياق، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم بيرم أن هذا الأمر بات وارداً اليوم أكثر من أي وقت مضى، لأن المهل الزمنية باتت تشكل عاملاً ضاغطاً إلى حد بعيد، ويوضح أن الموعد المبدئي لهذه الانتخابات هو في حزيران المقبل، ويرى أن المدة الفاصلة ليست كافية للتحضير إلى المعركة، كما يعتبر أن حركة الأفرقاء السياسيين لا توحي بأنهم جديون في مسألة إجرائها في موعدها.
ومن جهة ثانية، يعتبر بيرم، في حديث لـ"النشرة"، أن السجال الحالي حول مشروع قانون الانتخابات الذي من المفترض أن تجري على أساسه، يوحي بأن الاتفاق ليس وارداً في وقت قريب، ما يعني أن إجراء الانتخابات في موعدها أمر صعب.
ومن جانبه، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي جوني منير، في حديث لـ"النشرة"، أن لبنان دخل في مرحلة تأجيل الإنتخابات بشكل جدي، ويشير إلى أن إحتمال تأجيلها يصل 75 بالمئة، ويشير إلى أن الوضع دخل في ما يمكن تسميته بـ"الخبصة"، ويلفت إلى أن الأجواء داخل اللجنة النيابية المصغرة التي تبحث في مشاريع قوانين الانتخاب توحي بأن المشروع الذي سيذهب الى التصويت هو مشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي، لكنه يوضح أن هذا المشروع سيتم الطعن به في حال اقراره من قبل رئيس الجمهورية ما يعني أن الأمور ستعود إلى المجلس النيابي من جديد.
في هذا السياق، يشير الكاتب والمحلل السياسي جوزيف القصيفي الى أن جميع الأفرقاء في الواقع يؤكدون على ضرورة إجراء الإنتخابات في موعدها الدستوري، لكنه يلفت إلى أن السجالات الحاصلة حول طبيعة القانون الانتخابي تطرح من الناحية العملية أكثر من علامة إستفهام حول إمكان تحقيق ذلك.
ويرى القصيفي، في حديث لـ"النشرة"، أن هناك تساويا في إحتمالات التأجيل أو إجراء الإنتخابات في موعدها اليوم، لكنه يعتبر أن السجال الحالي في حال إستمر فإن الأفرقاء سيلجأون إلى ما يسمونه تأجيلا تقنيا، في حين هو تأجيل الإضطرار.
التأجيل والضغوط الدولية...
على الرغم من هذه المعطيات الداخلية، يراهن البعض على أن المعطيات الدولية سوف تدفع باتجاه إجراء الإنتخابات في موعدها الدستوري من دون أي تأجيل، لأن هذا الأمر حصل في العديد من المراحل، لا سيما في الإنتخابات التي حصلت في العام 2005، لكن هذه المعطيات لا يبدو أنها ستدفع بهذا الإتجاه هذه المرة.
وفي هذا السياق، يؤكد بيرم أن الأمر الذي يبدد المعطيات التي تؤكد بأن الأمور ذاهبة نحو التأجيل هو المعطى الخارجي، حيث يشير إلى أن العديد من الجهات الدولية تؤكد على ضرورة إجرائها في موعدها، والسبب في ذلك هو الرغبة في أن تأخذ اللعبة الديمقراطية مداها في ظل المناخات القائمة في الدول المجاورة، لكنه يعتبر أن الغرب في حال المفاضلة بين إجراء الإنتخابات في موعدها أو الحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان، فهو سيفضل الخيار الأول، لأنه يريد الحافظ على الأوضاع الحالية لكي تبقى الأعين شاخصة نحو الأوضاع السورية.
ومن جانبه، يعتبر منير أن إجراء الانتخابات يحتاج الى جو إقليمي معين، ويرى أن هذا الجو غير متواجد حاليًاً، ويلفت إلى أنه لو كان موجوداً لكانت الأمور ستظهر من خلال اللقاءات التي عقدت في العاصمة الفرنسية باريس.
ويوضح منير أن كل مجلس نيابي في لبنان له وظيفة معينة ويأتي نتيجة تسوية ما، ويشير الى أنه في العام 2005 كانت وظيفته التحضير لمرحلة ما بعد الخروج السوري، وفي العام 2009 كان المجلس نتيجة تسوية الدوحة التي فرضت توازنات معينة، لكنه يعتبر أن الأجواء الحالية لا توحي بأن الأمور هي نفسها، حيث يرى أن وظيفة المجلس المقبل هي التحضير لمرحلة الجمهورية الثالثة، ويضع في هذا السياق التصاريح التي تتناول هذا الموضوع، لكنه يشير إلى أن الاجواء غير مؤاتية، حيث أن كل فريق لديه أهداف محددة من الصعب جداً تحقيقها في لبنان، حيث أن كلا من الفريقين الأساسيين يخوض الإنتخابات على قاعدة إلغاء الآخر.
ومن جهته، يلفت القصيفي إلى أن هناك دائماً إستحضاراً للخارج في كل الملفات، وكأنه القضاء والقدر، لكنه يعتبر أن ليس من الضروري أن تكون تمنيات الخارج وطلباته وضغوطه هي العامل الأساسي في حسم موضوع الإنتخابات، فهذا الأمر يعود إلى اللبنانيين، وبالتحديد إلى الأفرقاء المعنيين، ويشير إلى أن كلا منهم يعتبر أن هذه المحطة ستكون تفصيلية، وستترتب عليها الكثير من الأمور، لاسيما تشكيل الحكومة المقبلة وإنتخابات رئاسة الجمهورية، ويرى أن السؤال المطروح اليوم يتعلق بامكانية التوصل إلى قانون يؤمن مصالح الجميع أو على الأقل يرتاح إليه الجميع، ويؤكد أن كل فريق لن يقبل بأي قانون يعرف مسبقاً أن نتائجه لن تكون لصالحه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك