أيام قليلة، يؤكدان، بما لا يقبل الشك، ان الوضع الأمني غير ممسوك، وان وضع الدولة ليس متماسكاً.
قد يكون جائزاً القول ان الأوضاع الأمنية غير ممسوكة في معظم دول العالم، وهذا صحيح، وان لبنان حالياً هو الأكثر استقراراً، وهذا أيضاً صحيح، لكن هذين القولين لا يبرران للأجهزة الأمنية عدم قيامها بواجباتها في الإمساك بخيوط أولى تقود الى كشف حقيقة ما جرى.
في اليومين الماضيين استمعنا في زحلة الى أصوات تنادي بتوزيع كاميرات مراقبة في الأحياء والشوارع وقرب الكنائس والمدارس والمؤسسات الكبيرة، وهو اجراء عصري يواكب التطورات في عالم التكنولوجيا، وتعتمده الدول والأجهزة الأمنية لمراقبة تحركات مشبوهة، لكن ما يجري عندنا مخالف لكل الإجراءات العالمية، اذ يتم، في زحلة مثلاً، وليس في بعلبك، أو في شمسطار، أو في صيدا وصور، وليس في النبطية، أو طرابلس. وهو اجراء يستهدف حماية الكنائس وليس المساجد. بمعنى آخر انه يحوّل مدناً ذات طابع مسيحي جزراً، بل محميات، في مواجهة الآخر المسلم في لبنان. هكذا يؤدي غياب الدور الفاعل للدولة وأجهزتها الى رسم صورة مواجهة طائفية ما بين اللبنانيين، وخوف من الآخر بدل التعاون معه لقطع دابر الإرهاب الى أي مذهب انتمى. انها مهمة الدولة في القبض على الإرهابيين، بالكاميرا أو من دونها.
بدأ المسيحيون صراعهم على البطريرك الجديد للموارنة قبل ان يتسلم مهماته، ثم اقتسموا ثيابه في خطاب اعتلائه العرش البطريركي مساء الجمعة الفائت.
من يراقب التعليقات على خطاب التسلم عبر المواقع الإلكترونية يدرك حتماً ان الجمهور الواسع بات معطل التفكير ومشلول القدرة على الفهم والتحليل.
قرأت خطاب البطريرك الراعي بعدما استمعت اليه مباشرة، فلم أشتم فيه الموقف السياسي الذي لاقاه البعض بالتهليل واعتبره موجهاً ضد مجموعة سياسية أخرى، تردد انها كادت ان تغادر قداس التسلم بعدما استاءت من مضمون الخطاب.
لقد انقسم اللبنانيون حول شخص البطريرك مار نصرالله بطرس صفير ومواقفه، بل ربما حول بعض اللّبس في مواقفه التي انحازت لا الى أفراد وأحزاب، بل الى مواقف تلاقت مع مبادرات، بل سياسات سيد بكركي ومجلس المطارنة الموارنة، وهي المواقف التي أفاد منها اللبنانيون في مختلف طوائفهم وأطيافهم، وسعوا الى قطف نتائجها، سواء كانوا في موالاة أو معارضة.
لكن الذي يحصل حالياً هو استباق لواقع جديد قد ينشأ مع البطريرك الجديد، الذي أظهر كل انفتاح، حتى على زيارة سوريا، ولو راعوياً. وما التعليقات الا محاولات من المسيحيين أنفسهم لمحاصرة الراعي واحتوائه ودفعه الى مواقف منحازة رغماً عنه.
في المدة القليلة التي تلت الانتخابات، كلام كثير من الراعي وآخر عنه، بدأ معه يتكشف الانحطاط السياسي الذي يدفع الى الانزلاق أكثر ولا يخدم المسيحيين البتة، ومعه تنكشف الطريق غير المعبدة أمام الراعي الجديد
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك