بدت الساحة الداخلية في لبنان معنية بخطاب الرئيس السوري بشار الاسد لاستيعاب حركة الاحتجاجات في سوريا كمؤشر على الاتجاهات التي ينوي سلوكها في المدى المنظور انطلاقا من ان لبنان هو ابرز الاماكن التي يمكن ان تتأثر بالتطورات السورية فضلا عن اعادة وضع سوريا يدها على القرار اللبناني وتحرك حلفائها في اتجاه محاولة شد ازر الرئيس السوري انطلاقا من لبنان واستهداف خصومه فيه. وقد رأى كثر حملة "حزب الله" على تيار المستقبل في هذا السياق بحيث استفاد من رفع شعارات ضد الرئيس سعد الحريري بالتزامن مع دعم الرئيس السوري في تظاهرة دمشق بما يمكن ان يوظفها الحزب وحلفاؤه في معركتهم الداخلية ضد خصومهم وسط مؤشرين: احدهما تحويل الانظار عما يطاول الحزب من اتهامات من جانب دول الخليج على دوره في تحريض المعارضة البحرينية في شكل خاص بالاستناد الى ما ورد في كلام الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله. والثاني استكمال الحملة التخوينية التي كانت بدأت ضد قوى 14 اذار في موضوع حرب تموز والاستناد الى وثائق ويكيليكس من اجل دعم هذا المنطق على طريق الاعداد لمواجهة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. واتت الحملة على احد أفرقاء 14 اذار في موضوع سوريا كجزء من هذه الحملة التخوينية التي تطاول جارة للبنان محورية واساسية في مصيره علما ان كثرا يرون في هذه الحملة هدفا اوسع مدى يدخل في اطار التحضير للمرحلة المقبلة في اطار الاستراتيجية الجديدة لمقاربة الحزب الوضع صعب واضافة بعد جديد الى طابع التخوين هو التآمر.
هناك كثر ممن لا يقيمون لهذه الاتهامات وزناً كبيراً يتساءلون اذا كان لما يحصل في الداخل مخاطر او تبعات اضافية في ضوء الكلام على ان امن سوريا من امن لبنان والعكس صحيح علما ان كل الانظمة العربية التي واجهت احتجاجات او حركات معارضة رمت الاتهامات في اتجاه خصومها او في اي اتجاه يمكن ان يثير حماسة الشعوب كما حصل في كل من تونس ومصر وحتى ليبيا وصولا الى الدول التي تقول ان لديها ادلة على تدخلات تحريضية كما الحال بالنسبة الى البحرين مثلا. وفي سوريا نفسها وجهت اتهامات تارة الى اصوليين وطوراً الى فلسطينيين ثم اقحم وجود لبنانيين بين المعتقلين كما جرى الحديث عن نقل اسلحة من الاردن ثم من لبنان. وتاليا فان هذه الاتهامات لا تلقى الصدى اللازم باستثناء انها تشكل عاملا خلافيا اضافيا يستخدم في الصراعات الداخلية ليس الا.
وفي حين انشغل البعض في تقويم ما اذا كانت هذه الحملة هي بهدف نقل الازمة السورية الى لبنان من حيث اظهار لبنان ساحة سهلة للتفجر في حال لحق بالنظام السوري اي خطر وتاليا توجيه انذار ضمني الى الدول المعنية بعدم اللعب على وتر التدخل لمصلحة المعارضين في سوريا، تتبع آخرون ما سيرد على لسان الرئيس السوري في هذا الاطار والى من سيوجه الاتهامات حول الاضطربات في سوريا علما ان مصادر معنية استبعدت اعتماده المنطق الذي يعتمده الحزب لان الامور متى وصلت الى موضوع طائفي يمكن ان يشتعل فان المسألة تتم لملمتها على ما حصل في موضوع دعم الرئيس السوري التحرك الخليجي وتحديدا السعودي في اتجاه البحرين على غير ما ذهبت اليه كل من ايران و"حزب الله" في هذا الصدد. وهو الامر الذي قابله الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز تجاه الرئيس السوري في دعم سوريا داخل سوريا. ولم يتطرق الرئيس السوري فعلا في خطابه الى هذه الاتهامات التي ترد على السنة بعض حلفائه في لبنان ولو انه يمكن ان يضع تحت عبارة "المتآمرين" التي اوردها في خطابه كل من يرى انه في المقلب الآخر لنظامه أكان في سوريا او خارجها. انما الانطباع العام ان التحركات السورية تغذي السعي الداخلي في لبنان الى توظيفها في الاتجاه الذي لا يخدم فقط دفع لبنان الى اتخاذ موقف داعم للنظام السوري تحت طائل التخوين او التآمر بل ايضا توظيف هذه المسألة في اطار المصلحة المباشرة للحزب.
على ان ذلك لا يتم التوقف عنده الى حد كبير كونه مشهدا ثانويا في اطار المشهد الاوسع ولو ان المشهد الصغير يسعى لان يشكل رافدا مهما ومساعدا للمشهد الاساسي اي المشهد السوري الذي يستقطب كل الاهتمام في ضوء ظهور الرئيس الاسد في موقع من استعاد الزخم من العدد الكبير من السوريين الذين تظاهروا تأييدا له باعتبار ان مرحلة التأخير والانتظار من نهاية الاسبوع الماضي حتى الاربعاء من اجل القاء كلمته كانت مفيدة له من اجل دوزنة مواقفه وطبيعة ادارته او سبل معالجته للازمة التي تواجهها سوريا . وقد سعى الى اظهار انه لا يصيغ سياسته بناء على رد فعل بل على تفكير في اطار محاولته الى وضع سقف يمكنه من ادارة الضغط التي يتعرض له علما ان التقويم الفعلي للخطاب ومضمونه وما اذا كان يستجيب مطالب الشعب السوري ام لا يتصل بالسوريين وحدهم وليس باحد سواهم.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك