مرّة جديدة ترتكب قوى 14 آذار خطأ أساسيّاً في أدائها المتحمّس والارتجالي. تكرّر الأخطاء ذاتها منذ انتفاضتها الكبرى في العام 2005. تدخل في زواريب تسويات غير مدروسة. تذهب السكرة وتأتي الفكرة. وما إن تخرج من مأزق حتى تُدخل نفسها في مأزق. لا تندم ولا تتعلم.
جديد أخطائها، فتح معركة جانبية تحت عنوان دستوري بهدف الوصول إلى تسوية تشمل التمديد للّواء أشرف ريفي تماشياً مع ضغط الشارع السنّي المحتقن، مع أنّ 14 آذار قادرة على ترشيح ريفي وزيراً في الحكومة الجديدة بكلّ سهولة.
هرعت إلى تسوية التمديد للمجلس النيابي، ولم تضمّ إليها تأليف الحكومة، ولا حتى التمديد للقادة الأمنيين بحجّة أنّها حاولت ولم تستطع. أخذوا منها التمديد ولم يهبوها التأليف.
وهذا النهج المتواصل من الأخطاء ليس جديداً. فقد قتلت 14 آذار نفسها ساعيةً إلى فتح سفارة لسوريا في لبنان، وكأنّها لا تعرف العقل الأمني السوري، وندمت لاحقاً وراحت تطالب بطرد السفير.
في انتخابات 2005، افترقوا عن "التيار الوطني الحر"، وذهبوا إلى تسوية مع "حزب الله"، سُمّيت بالتحالف الرباعي رغم الخلاف الاستراتيجي بينهما، وهو اختلاف جذريّ يتمحور حول مشروع كلّ منهما للبنان والمنطقة. وسرعان ما اصطدم الفريقان وطار التحالف الانتخابي بينهما ليحلّ تفاهم بين التيار والحزب.
في انتخابات 2009، خاضت 14 آذار المعركة ضدّ سلاح "حزب الله" وربحت، لكنّها سرعان ما ذهبت إلى تسوية مع 8 آذار، وشكّلت حكومة وحدة وطنية طيّرها الحزب لحظة دخول الرئيس سعد الحريري للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما في واشنطن، وبعد عيادته العاهل السعودي في إحدى المستشفيات الأميركية.
وفي كلّ مرّة، كانت 14 آذار جاهزة لبيان وزاريّ يتضمّن "الجيش والشعب والمقاومة". واليوم ترفض الاستمرار في هذا الشعار رغم أنّها أصبحت في موقع أضعف، وبات الخلل في موازين القوى أكثر وضوحاً.
في كلّ مرّة، وما أكثرها، كان الاغتيال يطاول الشهداء، فتعلو النبرات لكنّها لا تترجم إلّا مزيداً من التنازلات والدخول في تسويات.
تفقد 14 آذار يوماً بعد يوم صدقيتها وفاعليتها في الدفاع عن قضيتها ومشروعها، ويزداد إحباط جمهورها.
لا حكومة، ولا فرص في الأفق لتسهيل مهمّة الرئيس المكلّف تأليف حكومة جديدة.لا مجلس عسكريّاً في الجيش، ولا مجلس قيادة في قوى الأمن الداخلي.لا تعيينات ولا تشكيلات في المواقع الإدارية والعسكرية والأمنية في المدى القريب.
والفراغ آيل إلى التمدّد في المراكز الحسّاسة والعليا. وهناك اليوم محاولات لشلّ مجلس النوّاب بخلاف على "جنس الملائكة"، لن يصل إلى مكان.
نيران الحروب والأزمات في المنطقة تحاصر لبنان، والتحذيرات الدولية تتواصل، والتحدّيات تزداد على الجيش، وقوى 14 آذار تملأ الفراغ السياسي بتعزيز سياسة الفراغ. تغرق في معارك صغيرة، فيما فريق آخر يستمرّ في مشروعه، ويتطلّع إلى نسف الصيغة السياسية برُمّتها، ويطمح إلى نظام وعقدٍ اجتماعيّ جديدين، وينتظر الوقت الملائم لطرحهما.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك