لماذا يحتاج لبنان مجدداً إلى "ثورة أرز"، إذا صحت التسمية، أو إلى "إسقاط النظام الطائفي" كما يرفع علمانيون ويساريون هذا الشعار، أو إلى انقلاب على سلطة "الوحدة الوطنية" للمجيء بحكومة "تصحيحية" كما يحلو للبعض ان يصورها؟
الجواب الواضح هو أن اللبنانيين لا يعرفون بعد قيمة الحريات التي ينعمون بها بدليل فشلهم في إقامة دولة تحمي هذه الحريات وتصونها وتحولها نظام حكم ديموقراطي فعلي.
راقبت طوال الأيام الأخيرة حركة الشعارات التي تملأ وسائل الإعلام والساحات والمنابر، فإذا بالـ "لأ" الكبيرة تختصر المشهد اللبناني.
"لأ للسلاح"، "لأ للوصاية المسلحة" "لأ للاغتيالات" من هنا، و"لا للمحكمة" و"لا لمس المقاومة" من هناك، ثم أن هناك "لا" أخرى جديدة هي "لا للنظام الطائفي ".
الغريب والمخيف في هذا الأمر أن لكل فئة لبنانية "لا" موجهة ضد فئة أخرى، فيما يستحيل العثور على "نعم" يجتمع عليها اللبنانيون. ومعنى ذلك أن ست سنوات بعد "ثورة الأرز" لم تكن كافية لتوحيد اللبنانيين على مفهوم الدولة والنظام وتحقيق العدالة ومنع الوصايات الخارجية من العودة إلى التلاعب بمصير لبنان. فمن يكفل تالياً ألا تمر ست سنوات أخرى، وست فوقها، ونبقى في هذه الدوامة؟ وهل العلة فعلاً في "النظام الطائفي" ام هي فينا كلبنانيين لأننا لم نعرف كيف نحوّل ثوراتنا نظاماً نهائياً ثابتاً وحديثاً ومتطوراً تقوم عليه دولة على صورة أجيالنا الشابة وفي مستوى دماء شهدائنا؟
والغريب ايضاً في هذا المشهد ان لبنان يبدو من زاوية أخرى في أحسن أحواله إذا تطلعنا حولنا إلى ما يجري في دول الثورات العربية.
فاللبنانيون لا يحتاجون إلى مواقع التواصل الاجتماعي الالكترونية لتنظيم تظاهراتهم، وليس هناك من يقمع أي فئة تريد التعبير عن تطلعاتها. ولبنان يفيض بنعمة التعبير الحر مهما ارتفعت حدته واشتدت نبرة الشعارات. على الأقل لنعترف بان لدينا هذه الخصوصية ولو ناقصة، ولكن آن الأوان لكي نحولها نظاماً حقيقياً ودولة راسخة، لا نحتاج معها في كل مرة إلى ثورة جديدة وجولات إضافية من الصراعات السياسية وربما الأمنية.
من يراقب لبنان عشية الذكرى السادسة لانتفاضة 14 آذار ، بغير العيون التى لا ترى سوى "اللاءات" يمكنه ان يلمح "نعم" كبيرة لا يشعر بها أبناؤه، وهي "نعم" للديموقراطية وللنظام والدولة المدنية القوية. هذه الـ "نعم" هي طموح الغالبية الساحقة من اللبنانيين، وليس الذين سينزلون الأحد المقبل إلى ساحة الشهداء وحدهم. ومع تقديري الكبير للشباب الذين يتظاهرون اسبوعياً ضد النظام الطائفي، اعتقد أن هذا الشعار المحق يجب أن يوجه إلى الناس بالدرجة الأولى قبل الزعماء والسياسيين. لأننا نحن من نملك الحرية ولا نعرف كيف نحاسب ونفرض اقتلاع هذه الآفة من مجتمعنا.
كلنا "أحرار" ولكننا لا نعرف كيف نفرض دولة ونظاماً، ثم نعود إلى البكاء على الدولة والشكوى من النظام او بالأحرى من عدم وجود نظام ودولة. فلتبدأ الثورة من هنا على الأقل، من "نعم" تذوب فيها كل "اللاءات" لكي نستحق دماء شهدائنا و نعيد تكرار قسم 14 آذار 2005 بـ"ان نبقى موحدين إلى ابد الآبدين دفاعاً عن لبنان العظيم".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك