تكتسب الأيام العشرة المقبلة الفاصلة عن موعد الاضراب المعلن للاتحاد العمالي العام فائدة مزدوجة سواء في الموضوع الذي يعني صاحب الدعوة والمعنيين به او في جانب خلفي آخر مشتق منه بشكل غير مباشر. فهي اولا استفاقة متأخرة جدا على اوضاع اجتماعية شديدة البؤس جرى الامعان في تهميشها تحت وطأة سطوة السياسة المستأثرة دوماً، وبقسوة، بالاولويات والوهج، بما ينجم عنها من تحقير للواقع الاجتماعي المطلبي الذي يعني الغالبية الساحقة من اللبنانيين. وهي ثانيا فرصة متأخرة جدا ايضا لكشف الضحالة القاتلة لدى القوى السياسية والحزبية عموما في زعمها تمثيل من تمثل في مصالحهم الحقيقية.
وسواء أفضت الدعوة الى الاضراب الى تسوية لمشكلة الأجور والرواتب ام الى مزيد من التعقيدات، فلن يبدل ذلك مجموعة حقائق تظلل هذا الملف الاجتماعي.
اولا: إن رافع الراية المطلبية يبدو أشبه بهيكل متقادم عتيق منذ وضعت قوى حزبية موصوفة ومعروفة يدها على الاتحاد العمالي وسخرته في اتجاهات سياسية وفقد تالياً استقلاليته، فباتت الحركة المطلبية "على الطلب" وانعدمت كل هوامش استقلاليتها في معزل عن تموجات من يحركها.
ثانيا: إن ارباب العمل والهيئات الاقتصادية وسواهم في الفريق المعني بتصحيح الاجور وتحسينها يمعنون في أنماط فوقية جامدة تذهب الى حدود التهويل والابتزاز عند كل هبّة مطلبية، مستفيدين من وقائع اقتصادية متردية غالبا ما يُراد لها ان تظل فوق حاجات ذوي الدخل المحدود.
ثالثا: إن الدولة كفريق ثالث اساسي، وعبر الحكومات المتعاقبة، غالبا ما شكلت الحكم الفاشل العاجز عن التخطيط الاستباقي والمبادرة المرنة اللذين تفرضهما احوال شديدة الهشاشة، فلم تعرف يوما كيف تحافظ على التوازن بين مصالح المؤسسات وديمومتها واستمرارها وحقوق العمال والموظفين والاجراء. وليس غريبا والحال هذه ان تشكل المعضلة الاجتماعية الجانب الاسوأ الملازم للمديونية الهائلة، ودائما على حساب ذوي الدخل المحدود، في شهادة فشل مزدوجة للسياسات المالية والاجتماعية.
رابعا: إن القوى السياسية اللبنانية، على اختلاف اصطفافاتها وانتماءاتها ومواقعها، باتت تفتقر أكثر من اي حقبة عرفها لبنان الى بعد اجتماعي متطور، لا بل ان السمة الغالبة لهذه القوى تضعها في معظمها على سوية واحدة من قحط اجتماعي بل حتى انساني تحت وطأة افراطها في الصراع السياسي والطائفي والمذهبي.
وما بين الحالتين، غدا البعد الاجتماعي الحقيقي مندثرا وغائبا ومسحوقا خصوصا مع انقراض الاتجاهات اليسارية الجادة بمفهومها العلماني والمستقل وليس بمفهوم اليسار المستتبع والقابع عند زمن علاه الغبار والصدأ. وبكل هذه تمرّ هذه الاستفاقة، بزيادة أجر متهالك أم من دونها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك