يسعى الرئيس نجيب ميقاتي إلى تجنّب اتهام مجلس الأمن الدولي لبنان بعدم التعاون، إذا رفضت الحكومة تمويل المحكمة الخاصة بلبنان، لكنه يتفق مع رئيس الجمهورية على ضرورة إصلاح الشوائب التي تعانيها تلك المحكمة
أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أن «التمويل (أي مساهمة لبنان بـ49 بالمئة من موازنة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان) لا يلغي بعض الملاحظات الموجودة على المحكمة» (حديث إلى صحيفة «الشرق»). ورغم ما نقلته صحيفة «النهار» عن «مصادر مطلعة في فريق الأكثرية» عن أن ملف تمويل المحكمة الخاصة «سحب من التداول الإعلامي والعلني وحصر بالمعالجات البعيدة عن الأضواء، وخصوصاً بين رئيس الوزراء وحزب الله»، لا بد من إطلاع المواطنين على الملاحظات المطروحة قبل اتفاق الوزراء عليها أو على بعضها في الاجتماعات المقبلة لمجلس الوزراء وعلى كيفية استخدامها. في هذا الإطار تنشر «الأخبار» أبرز النقاط التي ما زالت تبحث صياغتها الدقيقة والتي سيفتح نقاش واسع بشأنها في بعبدا والرابية وعين التينة والسرايا الكبيرة والضاحية الجنوبية، تتضمن الملاحظات الآتية التي تتمحور حول «التكامل بين تحقيق العدالة الصادقة والحفاظ على السيادة الوطنية»، وهي لا تعدّ شروطاً للتمويل، بل مسعى لإصلاح الشوائب:
1ـــــ حسم موضوع دستورية المحكمة الخاصة بلبنان من خلال عرض الاتفاقية الدولية بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية التي أنشئت بموجبها المحكمة (ضميمة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1757/2007) على مجلس النواب للتصويت عليها بعد مناقشتها في لجنة الإدارة والعدل والهيئة العامة. صحيح أن القانون الدولي يتيح لمجلس الأمن، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبصورة استثنائية، تجاوز سيادة الدول الأعضاء، أي تجاوز مقتضيات الدستور، غير أن مجلس الأمن استند في 2007 إلى موقف الأغلبية النيابية الذي كان مؤيداً لإنشاء المحكمة. وكان أعضاء مجلس الأمن قد اتخذوا من موقف تلك الأغلبية يومها حجّة مركزية لإنشاء المحكمة، رغم عدم صدوره بالشكل الرسمي المعتمد، بل من خلال رسالة وجّهها الرئيس السابق لمجلس الوزراء فؤاد السنيورة إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وأشار مجلس الأمن في نصّ القرار 1757 (30 أيار 2007) إلى هذه الرسالة على النحو الآتي: «يشير (مجلس الأمن) إلى الرسالة المؤرخة في ١٣ كانون الأول ٢٠٠٥ الموجهة إلى الأمين العام من رئيس وزراء لبنان والتي يطلب فيها، في جملة أمور، إنشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة جميع من تثبت مسؤوليتهم عن هذه الجريمة الإرهابية، وإلى طلب مجلس الأمن إلى الأمين العام أن يتفاوض مع الحكومة اللبنانية بشأن اتفاق لإنشاء هذه المحكمة استناداً إلى أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية». بناءً على هذه السابقة لتعامل مجلس الأمن مع الرسائل التي يوجّهها رئيس مجلس الوزراء إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يمكن الرئيس نجيب ميقاتي اليوم، حرصاً على «أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية»، إيداع رسالة، بالتشاور مع رئيس الجمهورية وبموافقة مجلس الوزراء، تتضمن ملاحظات على نظام المحكمة وطريقة عملها، وعلى الأمين العام إحالتها على مجلس الأمن ليأخذ بها ويصدر قراراً يصحّح بموجبه الشوائب التي تعانيها المحكمة الخاصة بلبنان.
2ـــــ إن الاتفاق بين الجمهورية اللبنانية والأمم المتحدة الذي أبرم بموجب القرار 1757 (من دون موافقة رسمية لبنانية وفقاً للأصول) تنتهي صلاحيته في اليوم الأول من آذار 2012، وذلك بموجب المادة 21 منه حيث جاء فيها: «يظل هذا الاتفاق ساري المفعول لمدة ثلاث سنوات اعتباراً من تاريخ مباشرة المحكمة الخاصة عملها». وتتابع المادة نفسها: «بعد مضي ثلاث سنوات على بدء عمل المحكمة الخاصة، يقوم الطرفان بالتشاور مع مجلس الأمن، باستعراض ما تُحرزه من تقدم في أعمالها. وإذا لم تكتمل أنشطة المحكمة في ﻧﻬاية فترة الثلاث سنوات، يُمدد الاتفاق للسماح للمحكمة بإنجاز عملها، وذلك لمدة إضافية يحددها الأمين العام بالتشاور مع الحكومة ومجلس الأمن». وبالتالي فإن الملاحظات التي أكّد رئيس الجمهورية وجودها والتي قد تتضمنها رسالة الرئيس ميقاتي إلى الأمين العام للأمم المتحدة يفترض أن تمثّل الجزء الأساسي من التشاور بين لبنان والأمم المتحدة حول تمديد عمل المحكمة.
3ـــــ بموجب المادة 20 من الاتفاق بين الجمهورية اللبنانية والأمم المتحدة الذي أنشأ المحكمة، والتي جاء نصّها على النحو الآتي: «يجوز تعديل هذا الاتفاق عن طريق اتفاق خطي بين الطرفين»، قد تقترح الحكومة، إذا توافق أعضاؤها، إضافة جميع الجرائم التي تعرّض لها لبنانيون منذ الأول من تشرين الأول 2004 (محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة) حتى تاريخ صدور قرار مجلس الأمن 1757 (30 أيار 2007) بما فيها جرائم قتل 1191 إنساناً عام 2006 بمن فيهم عناصر من قوات اليونيفيل، وجرائم جرح أكثر من 10 آلاف إنسان بمن فيهم نحو 500 طفل أصيب بعضهم بإعاقات جسدية وعقلية. فإن المحكمة الدولية أُطلق عليها «المحكمة الخاصة بلبنان»، وحتى تكون ذلك فعلاً، عليها أن تعنى بجميع اللبنانيين الذين تعرّضوا لجرائم القتل والاغتيال كما هي حال المحاكم الدولية الأخرى مثل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحاكم الدولية لرواندا وسييراليون وكامبوديا. وإذا كان اختصاص المحكمة يقتصر على الجرائم الإرهابية، فإن اللبنانيين يجمعون على تعرّضهم لجرائم إرهابية خلال تموز 2006، وذلك رغم خلافاتهم واختلاف توجهاتهم السياسية.
4ـــــ إضافة بند إلى الاتفاقية الدولية بشأن هيئة رقابة قضائية على عمل المدعي العام للتأكد من التزامه نصّ القرار 1757 لجهة الحفاظ على «أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية»، وخصوصاً بعد إغفال قرائن قد تدلّ على ضلوع إسرائيل في الجريمة، وجمع معلومات عن خصوصيات اللبنانيين من دون مبرّر قانوني، ودهم المحققين الدوليين عيادة للطب النسائي من دون وجود مندوب عن نقابة الأطباء أو وزراة الصحة وغيرها من الشوائب القانونية والمهنية.
5ـــــ معالجة ملفّ شهود الزور وملاحقة المسؤولين عن الاعتقال غير المشروع للضباط الأربعة ولأربعة أشخاص آخرين احتجزوا لنحو أربع سنوات من غير وجه حق، في تجاوز واضح للقانون الدولي وللعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي التزم لبنان به. هذه المعالجة تجري من خلال تعديل نظام المحكمة الأساسي المرفق بالقرار 1757، وخصوصاً المادة الأولى والثانية منه اللتين تحددان اختصاصها، فيُدخَل بند يشير إلى أن ملاحقة الأشخاص الذين ضللوا التحقيق الجنائي في جريمة اغتيال الرئيس الحريري والجرائم الأخرى المتلازمة معها عبر إدلائهم بإفادات تبين أنها غير صحيحة، هو من بين الاختصاصات القضائية للمحكمة الدولية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك