اكتمل النصاب إذن، والشهادات المجمّعة في شأن توصيف "حالة" النائب ميشال عون صارت كافية للافتراض ان هناك إجماعاً لبنانياً ما. وان الدنيا ليست يباباً صفصافاً دائماً. وان الرجاء المرتجى لم يُخيّب آمال الراجين والحالمين والمنتظرين والمتفائلين بغد أفضل.
صحيح ان هناك مسلّمات وثوابت وطنية عامة لا تزال تجمع اللبنانيين أو تربطهم بعروة مخملية، وان كانت هذه شفّافة نفنافة تنقطع عند كل هبّة ريح تطبيقية تنفيذية فعلية وعملية.. لكن لا يضير في شيء (على الاطلاق) إضافة واحدة جديدة الى تلك العناوين الجليلة والكريمة، حتى لو كانت من النوع الذي نحن بصدده أي توصيف "الحالة" الخاصة بالمسيو عون.
فظيع.. خارج الثوابت المتعلقة بالدستور والعملة الوطنية والعلم اللبناني والكبّة النيّة واللحم بعجين والتبولة والشنكليش.. خرج من كل الجهات والنواحي الإعلان التوصيفي ذاته عن عون.. من أناس يختلفون على كل شيء تقريباً. ويندر أن يتلاقوا لقاء تاماً صافياً مثل العسل اليماني على عنوان سياسي أو قضية بيئية أو قراءات لأحوالنا وأحوال جوارنا ومدارنا. أو على ما هو أقل أو أكبر من ذلك. في شأن الحدود (مثلاً) وما إذا كانت الخروقات العسكرية السورية لها، هي كذلك أم لا؟ وحول الأمم المتحدة وقراراتها. وحول التعيينات والتوظيفات في كل قطاع ودائرة ومؤسسة وبلدية وصولاً الى مصلحة مياه الليطاني وشقيقتها في عين الدلبة. اختلاف على كل شاردة وواردة، وقائمة وقاعدة وصاحية ونائمة.. و"اتفاق" عزيز كريم مرموق وتام على خلاصة علمية تامة، تصف النائب عون كما هو بدقّة. مش قليل!
مرة أخرى يبقى الفضل الموصول لـ"ويكيليكس" وأهلها، الذين كشفوا ما كشفوه من دُرر مخبّأة في الصدور وخبايا الأضلع وداخل جدران مُحكمة الاقفال حيث الفضفضة والرحرحة تأخذ مداها، وحيث وازع الإعلان وتبعاته مقموع لا يُحسب له أي حساب.
..وفي سياق ونطاق وشارع وزاروب ذلك المنحى، يمكن الإشارة أيضاً الى "إجماع" من نوع آخر، كشفته الوثائق الأغلى من الذهب، ولا تني تؤكده سبيكة تلو سبيكة. وذاك أعزائي وأهل بيتي وربعي ورفاق دربي وأحبتي، يتصل بالتوصيف المتعلق بـ"حزب الله" وكيف ينظر إليه سائر خلق الله، مهما تنوعت وتعددت وقربت وبعدت مشاربهم ومآكلهم ومآربهم. وفي هذا أحاديث واضحة قرأها كل الناس كما هي إلا أصحاب الشأن في الحزب.
..قرأوها وأعلنوا بطلانها. أو قرأوها وأعلنوا انهم ما فهموا تماماً ما فيها. أو قرأوها وضبّوها تحت سجادة التحالف المرحلي وضروراته. ثم بعد ذلك، أو الأنكى من ذلك: قرأوها وظلّوا على وتيرتهم كأنهم لم يقرأوها. تناسوا وثائقها الدامغة التي كانت موضع اعتزازهم "بصواب" أحكامهم عندما كانت تتعلق بالآخرين، وصدّقوا ولا يزالون اتهاماتهم القائمة على الفبركة والتأليف والتصنيف الخاصة بهؤلاء الاخرين.
وفي ذلك تفسيرات كثيرة. جديدها سُرّب بالأمس وخلاصته: مسرح يُعدّ لجولة تمثيلية جديدة(؟!). أبطالها ممانعون ومساومون، ومقاومون ومرتهنون. وفي الحالتين تمثيل وتوصيف لا يمتّان الى الواقع بأي صلة وصل! ومع ذلك يصرّ أصحاب تلك المسرحية على الإمعان في تمثيلها!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك