تجاوز التيّار الوطني الحر والقوات اللبنانيّة، حتى الآن، الكثير من الألغام التي رُميت في طريق علاقتهما المستجدّة. حاد القائمون على التواصل، من الجهتين، عن المواضيع الخلافيّة واتّجها نحو ما يجمع أو ما يمكن البناء عليه. حصيلة العلاقة التي اقتربت من عامها الإيجابي الأول، بعد أعوام التناحر والخلافات، سياسةً وحرباً، أكثر من مقبولة. ولعلّ ذلك، ربما، ما يفسّر أن يتلقّى الفريقان سهاماً من المتضرّرين.
أكد وزير الصحة وائل أبو فاعور أمس أنّ قانون استعادة الجنسيّة لن يمرّ، وأنّ اللحظة ليست لإقرار قانون انتخاب. يقول أبو فاعور، بالنيابة عن النائب وليد جنبلاط، ما ليس له سوى ترجمة واحدة: لا مجال لاستعادة حقوق المسيحيّين، حتى لو "صفت نيّات" هؤلاء وتمخّضت لتَلِد ورقة.
يأتي كلام الوزير والنائب الاشتراكي بعد أيّام على اتفاق "التيّار" و"القوات" على مشروع استعادة الجنسيّة مع ما له من انعكاسات إيجابيّة على الصعيدين المسيحي والوطني، في زمن يغرق فيه لبنان باللاجئين الذين يُضافون الى مئات آلاف الفلسطينيّين، في المخيّمات وخارجها، مع ما لهم من ألوية مسلّحة "تناضل" من أجل استعادة فلسطين بإطلاق النار بين أزقّة مخيّم عين الحلوة وبإيواء الإرهابيّين.
إنّه إطلاق النار الأول إذاً على الاتفاق الذي يأتي في إطار الترجمة العمليّة لورقة إعلان النيّات التي يتمسّك الثنائي ابراهيم كنعان وملحم الرياشي بعدم إبقائها حبراً على ورق، مدعومَين من رئيسَي حزبيهما. ولا تسجّل هذه الطلقة في خانة المصدر المجهول، بل هو معروف جيّداً. فالنائب وليد جنبلاط يمارس السياسة من موقعَين، الأول طائفي درزي، والثاني يعتمد على التناقضات والتمايز عن الاصطفافات في زمن "الستاتيكو" وعلى الانخراط في أحدها حين تلتقط "أنتيناته" ترجيحاً لغلبة فريقٍ على آخر، وهو سيكون أحد المتضرّرين من استعادة المسيحيّين لحقوقهم، سواء عبر قانون انتخابي يُخرج المسيحيّين من تحت عباءته في الشوف وعاليه، أو عبر تعزيز مواقعهم في الإدارات الرسميّة بعد أن "تناتش" أكثر من حزبٍ ومرجع، من بينهم جنبلاط، هذه المواقع.
وما هو مطلوب اليوم أن يبادر ثنائي التواصل بين الرابية ومعراب الى الردّ على كلام جنبلاط، على لسان أبو فاعور، كتعبيرٍ عن موقفٍ موحّد وعن أنّ إطلاق النار، من مسافاتٍ بعيدة وحتى قريبة، لن يثني "التيّار" و"القوّات" عن المضيّ في خطوة كان كثيرون يظنّون، قبل عامٍ من اليوم، بأنّها تحتاج الى أعجوبة كي تتحقّق.
وما هو مطلوب، خصوصاً، أن يتمّ التوصّل الى اتفاق على مشروع قانونٍ انتخابيّ يوقّعه نوّاب الكتلتين ويفتحون به باب تحسين التمثيل المسيحي، بعيداً عن الشعارات الإنشائيّة التي تُرفع في هذا المجال، والتي تتحوّل الى أوراق للبيع على طاولة التسويات، متى حان أوانها.
ولعلّ هذه الخطوة تحتاج، قبل أيّ أمرٍ آخر، الى الجرأة والتحرّر من مصالح الحلفاء، التي غالباً ما تتناقض، من الجهتين، مع مطالب المسيحيّين وحقوقهم. وإلا فإنّ ما حدث في الانتخابات النقابيّة في كازينو لبنان سيتكرّر على مستوى أكبر، وحينها سيسقط الرهان على أن تعوّض "ورقة النيّات" عن الأوراق الكثيرة التي خسرها المسيحيّون على طاولة الاستحقاقات اللبنانيّة الكبرى، وقد حوّلها بعض السياسيّين الى أشبه بطاولة قمار...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك