شعب "ثورة الأرز" سيكتب تاريخ لبنان، ولكن ليس انطلاقا من المقولة الخاطئة إنّ "التاريخ يكتبه المنتصرون"، على رغم أن هذه الثورة انتصرت في العام 2005 بإخراج الجيش السوري من لبنان. وهي على طريق استكمال انتصاراتها، إن عبر السقوط الحتمي والقريب للنظام السوري والذي يشكّل سقوطه ضمانة لاستقلال هذا البلد وسيادته، أو من خلال خسارة "حزب الله" عمقه الاستراتيجي، الأمر الذي يعيده عاجلا أم آجلا إلى واقعيته السياسية، وبالتالي إلى المشروع اللبناني، ولَو على مضض.
شعب "ثورة الأرز" سيكتب تاريخ لبنان، ولكن ليس على قاعدة "غالب ومغلوب"، لأنّ الطرف المغلوب على أمره سيسعى، وهذا من البديهيات، إلى ردّ اعتباره على حساب الطرف الغالب. وهكذا دواليك، ما ينقل البلاد من أزمة إلى أخرى. وهذا في النهاية قدر الشعوب المتخلفة التي لا تستفيد من تجاربها بغية عدم تكرارها، والعاجزة عن إرساء حياة طبيعية ونظام سياسي آمن ومستقر.
شعب "ثورة الأرز" سيكتب تاريخ لبنان، لأنّ هذه الثورة عبّرت عن وعي وطني تاريخي، هذا الوَعي الذي تجسّد في غير مناسبة ومحطة، أبرزهما الاستقلال الأول والاستقلال الثاني. وبالتالي، فإنّ هذا الوَعي هو نتاج إرادة الشعب اللبناني، وإدراكه أهمية سيادة لبنان واستقلاله، وضرورة إخراج وطنه من أزماته المتناسلة والمستمرة.
شعب "ثورة الأرز" سيكتب تاريخ لبنان، لأن التاريخ تكتبه الشعوب الحرة وحدها التي استفادت من تجاربها، عبر تنمية وَعيها الوطني والانساني وتعزيزه، والتي تنظر إلى التاريخ باعتباره مادة علمية تتخطى عواطف الناس التي تدوّنه، لأن التاريخ هو وسيلة من أجل التقدم تكتب بموضوعية استنادا إلى الوقائع لا الى وجهات النظر.
إنّ إصرار "حزب الله" و"التيار العوني" على حذف "ثورة الأرز" من كتاب التاريخ، هو اغتيال لـ 14 آذار، لأنها تعبّر عن وعي تاريخي، وتآمر على اللبنانيين بمَحو ذاكرتهم وتشويه تاريخهم وحذف اللحظات الكبرى من هذا التاريخ التي تجسّد الوعي الوطني الحقيقي.
لا بدّ، في ظلّ الانقسام القائم، من التمييز بين سرد الوقائع وتفسيرها، إذا كان في الإمكان وضع تفسير مضمون الحدث جانباً، إنما من الجريمة بمكان تغييب الحدث نفسه. ولكن من يغيّب لبنان لمصالح سوريا وإيران، هل يُسأل عن تغييب تاريخ البلد؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك