انتهى مهرجان «13 الشهر» بلعنة للفكرة التي قامت عليها الشعارات المناوئة لسلاح المقاومة ولكل من «يشد على مشدّها»، لأنها أصابت الجيش وأساءت إليه، عن طريق الاختباء خلفه في التصويب على المقاومة وسلاحها، على أساس ايهام الجمهور بأن الجيش الذي منعوا تسليحه للدفاع عن الوطن، وحاولوا بشتى الطرق تغيير عقيدته الوطنية، سيكون البديل من المقاومة. لكن أين؟ في شوارع بيروت، وحول المخيمات، وفي مطاردة «العصابات الإرهابية» بعد «نجاح» تجربة نهر البارد التي سقط فيها للجيش 174 شهيداً.
لكن الجيش الذي اختبأ خلفه قنّاصة السياسة ورموز الفساد، لا يمت بأي صلة إلى جماعة «13 الشهر»، لأن وجعه هو في غير ساحتهم، ولأن دمه الذي امتزج بدماء شهداء المقاومة في حرب تموز التي سقط له فيها 50 شهيداً، لا يمصل، كما لا يتحول الى ماء تحت هدير الشعارات التي لم تستهوِ سوى أعداء لبنان، في الداخل ووراء الحدود.
إن هذا الجيش البطل، الذي تربّى أفراده ورتباؤه وضباطه على محبة الوطن والإخلاص له حتى الاستشهاد، يرفض تغيير عقيدته في محاربة العدو الإسرائيلي.
وعلينا حفظ الجيش، والامتناع عن اقحامه في الخطط الجهنمية المدمرة للدولة والممزقة لوحدة الشعب، والتذكير بأن اللعبة كبيرة، وان اللاعبين المحليين لا يلبثون ان يكتشفوا أنهم كانوا أدوات صغيرة في خدمة مشروع خارجي متقهقر، وسط عالم عربي جديد يخرج من رحم ثورات شعبية
على الظلم والعبودية، والفساد، والخضوع للأجنبي، فضلاً عن الاستسلام أمام التخلّف والتيئيس، ونهب الثروات الوطنية، والتبعية للتسلط والاحتلال.
ولطالما رافقت مؤامرات التخلص من المقاومة وسلاحها، خطط لتغيير عقيدة الجيش، وإجراء تغييرات بنيوية أساسية في كيانه، فضلاً عن التبديل في توجهات تسليحه على نحو يخدم تلك الخطط.
فقد ورد على لسان المر في إحدى وثائق ويكيليكس ما حرفيته: «ان الجيش بحاجة إلى تحويل تدريبه وتجهيزه للتركيز على دعم عمليات مكافحة الإرهاب». وأضاف ان لا «حاجة إلى هذا الجيش الثقيل الذي دربته وجهزته الولايات المتحدة عام 1983» وزاد: «لقد تغيّرت الأوضاع منذ 11 أيلول 2001 ونحتاج إلى الاعتماد أكثر على القوات الخاصة، وعلى ألوية اقل ثقلا، وإلى أسلحة خفيفة ومتوسطة، وطائرات مروحية هجومية لدعم القوات البرية». وأشار إلى ان المطلوب هو بين 10 آلاف و15 ألف جندي، وان «العديد الحالي 60 ألـف جندي كبير جداً بالنسبة إلى المهام المطلوبة من الجيش».
وفي الموضوع الطائفي، قال المر انه قادر بجهوده التطويعية على رفع نسبة المسيحيين في الجيش إلى 25 في المئة، والسنة والدروز إلى 50 في المئة، وهكذا لا يعود الشيعة «يمثلون تهديداً للجيش، حتى ان طلب منهم السيد حسن نصر الله ان يتركوا الجيش»!
بالطبع، هذه النظرة إلى الجيش لا يوافقه عليها الرئيس ميشال سليمان الذي يعتبر ان الجيش والمقاومة يتكاملان في الدفاع عن الوطن، وقد ظهر جلياً في حرب تموز. وهو القائل: «لم أتردد في محاربة إسرائيل في تموز وفي غير تموز. وإن أوامري للعسكريين، عندما كنت قائداً للجيش، كانت بالرد على إسرائيل واعتداءاتها بلا تردد». وهذا ما أبلغه إلى السفير ايمييه في حرب تموز بعد قصف الإسرائيليين موقعاً لوحدة الهندسة في الجيش فــي الجمهور، قريباً من وزارة الدفاع.
وأوحى ايمييه ان هذا القصف لم «يكن معقولاً». وبرغم التفاهم الأميركي ـ الفرنسي مع الإسرائيليين على تحييد مواقع الجيش، فإن هؤلاء قصفوا الموقع «لأنه كانت للعاملين فيه نشاطات مثيرة للشكوك، ربما سهلت هجمات حزب الله»، على ما قال ايميــيه. وكشف الحادث التنسيق في تلك الحرب بين الجيش والمقاومة.
وهذا التباين بين موقفي المر وسليمان حول دور الجيش، جعل المر يقول، في إحدى جلسات التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، عندما سُئل عن أسباب اختيار العماد سليمان قائداً للجيش: «ان سليمان كان الأضعف بين الضباط الموارنة»!
بعد هذا كله، لم يعد خافياً على أحد لماذا «زُرع» الياس المر في وزارة الدفاع أكثر من عقد من الزمن، ولا من زرعه.
انــنا أمام خطة مبرمجة لإنهاء دور الجيش في الدفاع عن السيادة واسترجاع الأرض المحتلة.
كما اننا أمام مؤامرة جهنمية لكشف لبنان أمام العدو الإسرائيلي.
حبذا لو يبدأ البطريرك الجديد، مار بشارة بطرس الراعي، عهده بالاسترشاد بأكبر شخصيتين عسكريتين مارونيتين في الدولة اللبنانية، هما الرئيس ميشال سليمان والعماد جان قهوجي، حول ما ينبغي عمله حيال المقاومة وسلاحها، ومدى الحاجة إليهما، بعدما حسم الرئيس سعد الحريري أمره واستظل الصورة الضخمة في احتفال «14 الشهر». إذ لو فعل ذلك، لجاءه جواب شافٍ من الرئيس ميشال سليمان، سبق ان كرر مثله في مناسبات وطنية عدة، وأبلغه إلى «السفير» في حوار أجري معه ونشر في 30 آذار 2010:
«المقاومة، نحن نحفظها برموش العين. نحن بحاجة إليها. وحاجتــنا إليها ما زالت ملحة. وأي كلام يصدر خارج هذه الحاجــة إلى المقاومة ليس أكثر من حديث استهلاكي، ولا أهمية له».
وفي اعتقادنا، ان هذا قانون إيمان وطني، وليس موقفاً سياسياً فحسب، وسيسجله له التاريخ
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك