يُنتظر أن يصدر عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال الأيام القليلة المقبلة قرار بتعيين خلف للمدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان دانيال بلمار، الذي تنحى «لأسباب صحية». ويبدو أن نورمان فاريل هو الأوفر حظاً، غير أن الأمر لم يحسم نهائياً، إذ لم يصدر حتى الآن قرار أممي رسمي بهذا الشأن ولم يحسم فاريل أمره. وذكرت مصادر سياسية لبنانية لـ«الأخبار» أن الرئيس ميشال سليمان تلقى رسالة من بان كي مون يطلب فيها مشورة الطرف اللبناني في هذا التعيين.
وأمام القانوني الكندي فرصة الترشح لمنصب آخر لا يقلّ أهمية في إطار آليات العدالة الدولية، وهو منصب نائب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية. حيث إنه ابتداءً من 12 حزيران المقبل، سيكون هذا المنصب شاغراً، إذ إن القاضية الغانية فاتو بنسودا التي كانت تتولاه ستستبدل بالمدعي العام لويس مورينو أوكامبو الذي بلغ سن التقاعد. وبالتالي، فإن فاريل أمام خيار صعب، إذ يبدو أن منصب نائب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية أكثر أهمية مهنياً من منصب المدّعي العام في المحكمة الخاصة بلبنان، ليس فقط بسبب ضيق الاختصاص القضائي للأخيرة وبسبب كون الأولى دائمة وثابتة، بينما الثانية مؤقتة واستثنائية، بل كذلك بسبب الفرصة التي يمكن أن يتيحها هذا المنصب للترشح لمنصب المدعي العام الدولي بعد بلوغ بنسودا، بدورها، سن التقاعد. ففاريل يبلغ 53 عاماً ولا يزال بكامل صحته ونشاطه. وخلافاً لبلمار، لدى الرجل خبرة واسعة في المحاكم الدولية. وكان نورمان فاريل قد عبّر عن اعتزازه بالإنجازات التي حقّقتها العدالة الدولية من خلال تكريس ملاحقة المسؤولين عن جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب (خلال المؤتمر الثالث للقانون الدولي الإنساني، نيويورك، أيلول 2009). غير أن اختصاص المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لا علاقة له بهذه الجرائم الجماعية، بل إنها المحكمة الدولية الوحيدة المعنية بجريمة إرهابية فردية (وجرائم فردية أخرى إذا ثبت ارتباطها بها). لكن المرشح لتولي منصب المدعي العام في المحكمة الدولية التي اتهمت منتسبين الى حزب الله بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان قد شدّد على وجوب التركيز على التآمر الجنائي في الملاحقات القضائية الدولية وعلى ضرورة القبض على جميع المتهمين. وفي هذا الإطار كان فاريل قد عبّر عن سروره باعتقال المتهم الصربي كارازيدش وسوقه الى المحكمة الدولية في لاهاي عام 2008.
من هو فاريل؟
نال نورمان فاريل شهادة الماجستير في القانون من جامعة كولومبيا (نيويورك) وعمل مستشاراً قانونياً في مكتب المدعي العام في مقاطعة أونتاريو الكندية من عام 1988 حتى عام 1996. وعمل خلال تسعينيات القرن الماضي في اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي في العديد من المجالات: كان المنسق المسؤول عن نشر القانون الإنساني الدولي في سراييفو والبوسنة والهرسك، وعمل مستشاراً في القانون الدولي الإنساني في أديس أبابا، ومستشاراً في القانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني الدولي في جنيف. وشغل فاريل عام 1999منصب مستشار في دوائر الاستئناف ورئيس القسم الخاص في قضايا الاستئناف في كل من المحكمة الجنائية الدولية لرواندا ويوغسلافيا السابقة. وفي 2002 انتقل الى المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، حيث شغل منصب نائب المدعي العام.
أما في المجال الأكاديمي، فعمل فاريل باحثاً زائراً في مركز الدراسات الدولية، وحاضر في سلسلة من الحلقات الدراسية التدريبية بشأن القانون الدولي الإنساني للقضاة وأعضاء النيابة العامة من سيراليون وإندونيسيا وكمبوديا.
تعيين المدعي العام
يُعيِّن الأمين العام للأمم المتحدة، بعد التشاور مع الحكومة اللبنانية، مدعياً عاماً لمدة ثلاث سنوات (بحسب المادة 3 من الاتفاقية الدولية المرفقة بقرار مجلس الأمن 1757 الصادر في 30 أيار 2007). ويفترض أن يأتي التعيين بناءً على توصية من «فريق اختيار» يتألف من ثلاثة أشخاص: قاضيان يعملان في محكمة دولية أو تقاعدا عن العمل، وممثل الأمين العام.
وجاء في نصّ الاتفاقية أن المدعي العام «يتمتع بالاستقلالية في أداء وظائفهما ولا يجوز أن يقبلا أو يلتمسا توجيهات من أي حكومة أو من أي مصدر آخر»، غير أن أداء دانيال بلمار ومحاضر الاجتماعات التي جمعته بمسؤولين أميركيين دلّت على عكس ذلك، بحسب ويكيليكس.
مشكلة الكفاءة
إن تعيين فاريل في منصب المدعي العام قد يرفع من القدرات التقنية للمحكمة ويطوّر نظرها الى القوانين الجنائية الدولية. لكن ملء الشغور القائم في أحد مراكز دائرة الاستئناف في المحكمة قد يشكل تحدياً أساسياً يضاف الى التحديات الأخرى التي تواجه عدالة إجراءات المحكمة. ففاريل يتمتع بخبرة واسعة في تحليل القانون الجنائي الدولي، بينما أحدثت وفاة القاضي أنطونيو كاسيزي، الذي يعدّ أحد أبرز الخبراء القانونيين الدوليين، فراغاً في هذا الإطار. وليس من بين قضاة دائرة الاستئناف حالياً قاض خبير في القانون الجنائي الدولي، وبالتالي فقد يتمتع المدعي العام بكفاءات في تحليل القانون وتفسيره تفوق كفاءات القضاة، ما يؤدي الى خلل في الإجراءات القضائية. وبالتالي يفترض أن يعيّن الأمين العام للأمم المتحدة قاضاً بديلاً من كاسيزي، يتمتع بكفاءة عالية في مجال القانون الجنائي الدولي. لكن الأسماء الأربعة التي يتم حالياً التداول بشأنها في مكتب رئيسة الدائرة القانونية في الأمانة العام باتريسيا أوبراين في نيو يورك لا تبدو لامعة في هذا المجال. المستغرب في ذلك هو أن فريق الاختيار نفسه الذي يرشح الأشخاص لتولي منصب المدعي العام يرشّح الأشخاص لتولي منصب القاضي في المحكمة، وبالتالي فإن ترشيح فاريل يفترض أن يقابل بترشيح قاض يتمتع بكفاءة في مجال القانون الجنائي الدولي لا تقل عن كفاءته. وإذا فعل فريق الاختيار عكس ذلك (كما يبدو الأمر حالياً)، فهل المقصود تقوية الادعاء العام على حساب القضاة؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك