جاء في صحيفة "السفير": لم يقفل ملف البواخر الكهربائية بعد. وعلى الأرجح لن يقفل قبل نهاية شهر نيسان. في السياسة والمناكفات السياسية قد لا يعني هذا الأمر شيئاً. هذا تحديداً ما يكاد يفقد الاستشاريين العاملين في وزارة الطاقة صوابهم. فهؤلاء يواجهون هاجساً أساسياً يتعلق بعدم تقدير السلطة اللبنانية للمأساة التي يعيشها القطاع، فيما هم يصلون ليلهم بنهارهم لتنفيذ استراتيجية القطاع التي أقرت في العام 2010.
يتفهم هؤلاء البيروقراطية الادارية ولا يمانعون العمل تحت سقفها ما دامت تمثل المظلة القانونية لكل ما ينفذ من مشاريع. ما لا يتفهمونه هو لامبالاة أو عدم تقدير السياسيين للأخطار الفعلية التي يتعرض لها المواطنون مع كل يوم تأخير في مقاربة هذا الملف التاريخي الحيوي المرهق للخزينة ولجيوب اللبنانيين.
وبعكس المتوقع، فإن هؤلاء لم تزعجهم حماسة الرئيس نجيب ميقاتي لخيار المعامل، بل وجدوا فيها دفعة معنوية مهمة من قبل رئيس الحكومة للعمل الذي يقومون به، كما اعتبروا أنها تشــكل تحذيراً لكل من يتلكأ أو يعرقل استراتيجية الوزارة التي تقوم أولاً وأخيراً على بناء المعامل. المشكــلة بالنسبة الى هؤلاء كانت من خلال ربط رئيس الحكومة بين إنشاء هذه المعامل واستئجار البواخر.
وكما أكد الوزير جبران باسيل في مؤتمره الصحافي الذي سبق اجتماع مجلس الوزراء الأخير، كذلك يؤكد مستشاروه. أحد المتخصصين في معامل إنتاج الكهرباء يبتسم حين يُسأل عن إمكان إنشاء معمل خلال سنة واحدة (بحسب العرض الذي أعلن عنه ميقاتي). سريعاً، يجزم بأن كل التجارب في العالم، تؤكد أنه لا يمكن إنشاء أي معمل في فترة زمنية تقل عن العامين (27 شهراً تحديداً).
في سياق متصل، أكد مصدر مسؤول في شركة «جنرال الكتريك» لـ«السفير» أن الشركة لم تتقدم بأي عرض لتركيب معمل كهرباء في لبنان. أكثر من ذلك، علمت «السفير» أن مسؤولين في الشركة قدمــوا اعتــذارهم لكل من ميقاتي وباسيل عن «سوء التفاهم» الذي حصل بتقــديم العرض من أحد موظفي الشركة في المنطقة، خلافاً للأصول. كما تم التأكيد أنه تــم الاستغــناء عن خدمات هذا الموظف وأنه لا يمثل وجهة نظر الشركة في ما قدمه.
وإذا صح ما تردد عن أن رئيس الحكومة أراد بهذه الخطوة، التي يعرف مسبقاً أنها غير واقعية، أن يحذر كل متورط بعمولات في صفقة البواخر، أن التعدي على المال العام ممنوع، فهو استطاع فعلاً أن يرسي قاعدة جديدة، تقضي بضرورة خفض قيمة العرض.
لا تمانع مصادر الوزارة بإعادة التفاوض. هي تؤكد أصلاً أن التفاوض لم ينته بعد، إلا أن ما تخشاه هو أن يصار إلى رفض الحكومة لما ينتج من هذه المفاوضات مجدداً، مع ما يعنيه ذلك من إعادة للمناقصة، التي قد تحتاج إلى أشهر طويلة، وبالتالي إعاقة خطة الكهرباء من جديد. «عندها لا شيء سيكون مضموناًَ»، يقول المصدر، موضحاً أن «بواخر الطاقة ليست دائماً متوافرة، فعددها في العالم محدود والإقبال عليها مرتفع (لا يزال معظمها مستأجراً من قبل اليابان بسبب «التسونامي» الأخير)».
مصدر التخوف يعود فقط إلى «الوقت»، بحسب مصدر في وزارة الطاقة، موضحاً أن فلسفة العمل في قطاع الكهرباء تقوم على مبدأ شراء الوقت، مذكراً بأن كل ما ينجز حالياً ينجز في إطار تنفيذ خطة الطوارئ التي أقرت في مجلس النواب (قانون الـ700 ميغاوات)، والتي يفترض أن تكون مهمتها الرئيسية منع التغذية بالكهرباء من الوصول إلى حافة الهاوية.
يعود مصدر متابع إلى العام 2010، ليذكّر بأن مبدأ استئجار البواخر سبق وأقر في حكومة الرئيس سعد الحريري، وبدل ان تكون هذه الــبواخر راسية حالياً في الشواطئ اللبنانيــة، جل ما حصل أن مجلــس الوزراء أعاد الموافقة على المبدأ نفسه، علماً أنه سبق وفعل ذلك مراراً.
أما وزارة الطاقة، فهي تأمل حالياً أن تنتهي هذه القضية مع نهاية الشهر المقبل حتى يتسنى للبنان بدء الاستفادة من الطاقة التي تؤمنها هذه البواخر في بداية أيلول المقبل، مع تأكيدها أن كلفة الحصول على الطاقة من خلالها تقل عن كلفتها عبر المعامل الحالية بنحو 130 مليون دولار في العام الواحد.
وفي سياق متصل، بدأت الوزارة بتحضير مناقصات تأهيل خمس وحدات إنتاجية في معملي الذوق والجية، علماً أن العملية تحتاج بدورها إلى مدة مماثلة للمدة التي تحتاجها البواخر. ويلفت المصدر الانتباه الى أن رفض البواخر لن يعيق التأهيل الذي يصعب تأجيله إلى مزيد من الوقت، مع ما يعنيه هذا الخيار من إمكان تراجع التغذية تراجعا ملحوظا (قد تصل إلى 12 ساعة في اليوم)، علماً أن عملية التأهيل تحتاج إلى ما بين سنتين وأربع سنوات.
في موازاة الأزمة السياسية التي تلف البواخر، يتركز اهتمام الوزارة في أماكن أخرى. يقول عضو في فريق الخبراء العامل مع باسيل إن «الطاقة» أنجزت مناقصات الانتاج المقررة في خطة الطوارئ، أي قانون الـ700 ميغاوات (إنشاء معامل وشراء مولدات وتركيب وحدات إنتاجية في المعامل الحالية...) وأرسلتها إلى إدارة المناقصات حتى تأخذ طريقها القانونية، كما أنها ستنهي مناقصات النقل خلال أيام، فيما ترسل تباعاً مناقصات التوزيع.
يؤكد خبراء الطاقة أن كل هذه الأعمال التي تنجز، يمكن أن تجمد دفعة واحدة إذا ما استمر تأخير «وصلة المنصورية» في المتن. هؤلاء يجزمون بأن الأولوية المطلقة حالياً هي لإقفال هذا الملف العالق بدوره منذ العام 2010.
تعترف وزارة الطاقة بأن خطتها القاضية بتأمين 24 ساعة من التغذية في العام 2015 قد أصبحت من الماضي. أقصى أمانيها حالياً هي إنجاز الـ700 ميغاوات في ذلك الحين. والتي يمكن أن ترفع معدل التغذية إلى 18 ساعة في أوقات الذروة خارج العاصمة و24 ساعة في العاصمة. الأمنية الثانية هي في أن ينور لبنان بعد عام أو عامين من ذلك الحين. أما سبب القلق الفعــلي فيعود إلى عدم إعلان أي جهة أو دولة أو صندوق عن رغبــتها في المــساهمة في تطوير قطاع الكهرباء في لبنان، وكذلك لم تعلن أي شركة خاصة عن رغبتها في الدخول إلى القطاع على الرغم من أن الاستراتجية تلحظ الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص في المراحل اللاحقة. وهذا يفسر بحسب المصدر سبب إصرار الوزارة على تمويل المرحلة الأولى من الاستراتيجية من الخزينة اللبنانية. أي أمر آخر كان يمكن أن يترك كل شيء معلقا.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك