لم يسع مفوهو التضامن مع الشعب السوري ـ وهم صحافيون في غالبيتهم ـ إلا الإستنجاد بجامعة الدول العربية والمجتمع الدولي بوجه النظام السوري، القائم على الحزب الواحد منذ أربعة عقود.
الآن استفاق صحافيون لبنانيون على ما يجري في سوريا، مستنجدين بقيم فينيقية لم تقدم ولم تؤخر أصلاً في الحياة اللبنانية. فجأة صار الهم الإنساني للنازحين السوريين أساساً في يومياتهم السياسية، وكأن اللبنانيين صاروا يتناولون أطباقهم اليومية وفقاً للبرامج التلفزيونية. أو كأن نسبة الانتحار ارتفعت جراء الملل وانعدام الفساد وارتفاع منسوب الشفافية.
الأدهى من ذلك، ان اللقاء الذي أُطلق فيه البيان الفصيح، كانت قوات ميليشياوية منعت صدوره من اوتيل البريستول، ومارست ضغوطاً على الأخير للاعتذار. ولم يوفق مناضلو التضامن في توفير قاعة لتلاوة البيان إلا بعد ثمانية أيام، ومن منطقة بعيدة جغرافياً، وتتمتع ببعض الحصانة الأمنية بعيداً عن موالي سوريا، أو على الأقل فان هؤلاء لا يجرؤون على الحراك فيها، إلى هذا الحد أو ذاك.
في السياسة، ماذا يعني عجز قوة سياسية عن تصدر منبر للتعبير عن رأيها؟ وماذا يعني تمتع قوة سياسية مناقضة بالقدرة على الحؤول دون تمتع مواطنين بحرية التعبير؟.
الجواب هو عند عقم النظام السياسي الذي ما برح يراوح مكانه منذ كان، والقائم على تسوية "الظلم في السوية عدل في الرعية". ذلك انه يفترض بناشطي المجتمع المدني النضال السلمي والديموقراطي والوفاء لدعواتهم التي تصم الآذان عن اهمية ومهمة المجتمع المدني، الإصرار على إصدار بيانهم ولو من حديقة الشهيد سمير قصير كما فعلت منظمات مدنية أخرى.
لم يشرح المتضامنون على مسامع اللبنانيين سبب انتقالهم وتأخرهم عن إذاعة بيانهم الفصيح نحو ثمانية أيام، إلا عبر بيان يتيم تضمن تراثيات رحبانية عن الوطن والحرية.
وعندما بادروا إلى موقفهم هذا خاطبوا العالم برمته من دون الشعبين اللبناني والسوري. والبداهة في هذا الإطار، كانت تقتضي من المتضامنين الإعلان انهم ليسوا من قال ان "الشعبين اللبناني والسوري شعب واحد في دولتين".
الثابت في الوقائع انه لا طاقة للبنانيين على احتمال اي مغامرة ضد سوريا، على الرغم من ان حجم الديكتاتورية هناك يفوق اي طاقة على احتماله أو تصوره. ولنتذكر منذ سليمان فرنجية حتى العام 2005. ابعد من ذلك فلنتخيل مبادرة سوريا الى تحريك اتباعها في لبنان وهم على شاكلة الحزب القومي والبعثي وحركة امل والمردة وبعض قوى "الجهاد". والباعث على التذكر مشهد السواطير الذي لم يغب يوما عن اعين اللبنانيين والتلويح بحرب أهلية.
السياسة علم وذكاء، ولا يمكن بحال من الاحوال ان تكون ارتجالا شخصيا يغمط الصالح العام مصالحه ويغامر بمستقبله. فالاجدى كان تلاوة البيان في الموعد المقرر ومن بيروت، وليس الاحتماء بوقائع ديموغرافية وجغرافية.
الأرجح انه كان من الأصوب ان يطلب المتضامنون التدخل العربي والدولي لعقد لقائهم في موعده وتحت مسؤولية القوى الأمنية، لكن الآن لم يعد جدوى منه، وفي حال التأزم كان يفترض بهم ان يطلبوا النجدة لسلامتهم المبعثرة والمهددة.
هذا في الشكل اما في المضمون، كان ينبغي على الكتبة توزيع البيان على عامة الناس باختلافهم قدراتهم الذهنية العاجزة عن الإحاطة بعموم الامور حتى يتسنى لهم المشاركة الضامنة لنجاح اللقاء.
اما وان ذلك لم يحصل، فان اللقاء التضامني بقي كـ "البكيني الذي يظهر شيئاً مهماً ويخفي أشياء أهم". ذلك ان نضال الصالونات ضد النظام السوري لا يجدي نفعاً.
ومعركتنا معه بدأت مع ثلة قليلة عام 1998 تكونت من كاتب هذه السطور، ويوسف بزي وبلال خبيز وفادي توفيق ومحمد ابي سمرا ومحد الحجيري وغسان جواد وناظم السيد وطوني شكر، وفادي العبد الله وفادي طفيلي برعاية الشاعرين أنسي الحاج وعقل عويط فضلا عن الأديب والكاتب الياس خوري اللبناني الهوى والعروبي الفؤاد.
قد ينبري قائل للحديث عن ان وظيفة المؤتمر لا دوره هي رفض الترهيب. وهذا صحيح بمعنى ما، لكن الأصح، هو مواجهة الترهيب سلميا. فلا دولة سنراها ولا سلماً سنعيشه إذا ما استمرت الامور على ما هي عليه.
ثم كيف للبنانيينن ان يتضامنوا مع شعب أعزل، بينما هم عاجزون عن حماية لقاء لهم، قوامه خطابيات وانشائيات تتضمن فقرات مستعارة من ارشيف حقوق الانسان وموسوعاته المطولة.
اكثر من ذلك، كيف سيتضامن مفوهو اللقاء مع اهلنا من الشعب السوري الذين حضنوا شعبنا في حرب تموز 2006؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك