مضى أكثر من 15 شهراً على انطلاق حركة الاحتجاجات في سورية. واذا كان المنتفضون قد أنهكهم عنف النظام، فإن الأخير أيضاً في حال من الانهاك. فقد أصيب في اقتصاده، وفقد السيطرة على مناطق مختلفة من البلاد، والأهم ان نظام البعث فقد الكثير من أشكال نفوذه الاقليمي. فبدل أن يكون طرفاً في صياغة الإئتلافات الحكومية في العراق، ها هو نوري المالكي يجهد للتوسط بين نظام البعث في سورية وبين بعض من تصل اليهم أياديه من المعارضين السوريين.
وخسر النظام في سورية خاصرته التركية، فبعد كل "الحُب" المبذول والمبتذل بين الرئيس "الشاب" بشار الأسد وبين وزير الخارجية التركية داود أوغلو، صار الأسد في الخطاب التركي "قاتل شعبه". العلاقات الحذرة بين سورية والأردن والتي سادت طوال العقود الثلاثة الفائتة تغيرت، وها هي عمان وبعد ان كانت تشعر بوطأة البعث كجار وكعمق اجتماعي، تشعر اليوم بان الوقت قد حان لحذر من نوع مختلف، حذر من ان تستثمر المعارضة الاسلامية في الاردن في الانتفاضة السورية كي توظف ذلك في عمان.
اسرائيل أيضاً قلقة على حارس الحديقة الخلفية للكيان العبري. فاربعون سنة من الحدود الآمنة في الجولان تسحق قلقاً، والسنوات الست من السلام بعد حرب تموز في لبنان كانت تجربة مجزية.
والآن ماذا عن الجار الأصغر لبنان؟ ماذا عن مشهده بعد 15 شهراً من الانتفاضة السورية ومن ترنح النظام هناك؟
أولاً النظام السوري صار ضعيفاً ومنهكاً حتى في لبنان، ويمكن ان نرصد ذلك في مشهد شديد البداهة. الحكومة اللبنانية الراهنة، تم تشكيلها بقرار سوري، وكانت حكومة لون واحد. تم تهديد وليد جنبلاط واغراء نجيب ميقاتي واستدراج ميشال سليمان، فانعقدت الحكومة على فضيحة ان الخاسر في الانتخابات النيابية هو من تولى الحكم، وهذا ما كان ليحصل لولا قرار سوري حاسم بالانقلاب على نتائج الانتخابات وعلى تفاهم الدوحة.
اليوم تترنح حكومة المعجزة السورية بفعل ترنح النظام في سورية. خرج وليد جنبلاط من التفاهم وبقي في الحكومة، ونجيب ميقاتي ينأى بنفسه تارة الى جانب النظام في سورية وتارة من مشهد اندراجه فيه. الرئيس ميشال سليمان يبتعد نهارا ويقترب ليلاً، والرئيس نبيه بري صامت في معظم الاحيان ومقل في الانحياز. وبقي من التحالف حزب الله وميشال عون.
ثانيا لبنان ما زال بلداً فاقدا للسيادة، وجرى بفعل ترنح المهيمن على سيادته عملية توريث في وضح النهار، اذ انتقلت الهيمنة الى الشقيق الايراني، الذي يتولى اليوم عبر حزب الله وعبر سفارته في بيروت صياغة التوجهات العامة للحكومة المترنحة. تضاعفت اعداد الاتفاقات المتبادلة بين الحكومتين، وصار للسفير الايراني في بيروت تصريح يومي يتناول فيه الاوضاع الداخلية في لبنان، وارتفعت أكلاف الرعاية على نحو جلي، ولكن هذا لا يهم في ظل المردود الاقليمي الناجم عن اندراج لبنان في منظومة النفوذ الايراني.
لكن ما ساعد على كل ذلك أمرين، الأول عجز المعارضة اللبنانية وعلى رأسها تيار المستقبل عن الاستثمار في ترنح النفوذ السوري في لبنان، والثاني غياب المنافس الاقليمي، لا بل انكفاؤه على نحو غير مفهوم، وتعميمه العوز والفاقة على حلفائه.
في العراق جاء الأميركيون ليهددوا بداية الجارة الكبرى ايران بعد ان أطاحوا صدام حسين، واذ بايران تستثمر في السقوط وفي مقاومة الأميركيين في نفس الوقت، وها هي طهران اليوم صاحبة النفوذ الأول في بغداد التي حررها الأميركيون.
اليوم يشعر السفير الايراني في بيروت انه المستفيد الأول من غياب النفوذ السوري، وبالتالي فان ايران هي من استفاد في لبنان، من الثورة في سورية..
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك