كتبت رشا أبو حيدر:
- أولاً: زيارة بصيغة الرسالة
أثارت الزيارة الرسمية الأخيرة للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت موجة من التكهنات حول تحول نوعي في العلاقة اللبنانية – الفلسطينية، خصوصًا بعد تسريبات عن وجود مشاورات متقدمة تهدف إلى تنظيم نزع السلاح من داخل المخيمات الفلسطينية، بدءًا من بيروت وانتقالًا تدريجيًا إلى باقي المناطق، بما فيها مخيم عين الحلوة ومخيمات الجنوب.
هذه التسريبات لم تُترجَم بعد إلى اتفاق رسمي أو موثق، إنما دارت التصريحات حول تفاهم شفهي أو خارطة طريق مبدئية، ما يطرح تساؤلات جدية حول المرتكز القانوني لهذه المبادرة، ومدى قابليتها للتطبيق ضمن النظام الدستوري اللبناني، في ظل تشعّب الأطراف الفلسطينية وتعدد المرجعيات المسلحة.
- ثانياً: في غياب الإعلان الرسمي، هل يوجد "اتفاق" فعلي؟
حتى تاريخه، لم يصدر أي إعلان رسمي عن توقيع اتفاق ملزم بين الدولة اللبنانية والرئيس محمود عباس (بصفته ممثلًا للسلطة الفلسطينية). ويترتب على هذا الواقع القانوني أن ما يُتداول حاليًا لا يتجاوز، في أفضل الأحوال، مرحلة التفاهم السياسي غير الملزم قانونًا.
من منظور القانون اللبناني، لا يُعتد بأي اتفاق يتعلق بمسائل سيادية – كملف السلاح – ما لم يُعلن رسميًا ويوثق بمحضر قانوني، وقد يتطلب إقراره من قبل مجلس النواب. كما أن الطبيعة الحساسة للموضوع تستدعي غطاءً دستوريًا يوفّر شرعية داخلية لاتفاق من هذا النوع.
- ثالثاً: من يمثّل الفصائل؟ حدود التمثيل القانوني
تشكل أحد أبرز الإشكالات القانونية في أن السلطة الفلسطينية لا تمثّل جميع الفصائل المسلحة داخل المخيمات، لا سيما حركتي حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من التنظيمات التي لا تعترف بشرعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد.
وبالتالي، فإن أي اتفاق يوقّعه محمود عباس لا يُلزم هذه الأطراف قانونًا، ما يهدد بظهور "فراغ اتفاقي" على الأرض، يعطل التنفيذ الفعلي أو يضع الدولة اللبنانية في مواجهة جزئية مع أطراف غير موقعة.
- رابعاً: اتفاق القاهرة 1969... من التجميد إلى الانتهاء
لطالما استند الوجود المسلح الفلسطيني داخل المخيمات إلى اتفاق القاهرة (1969)، الذي أتاح للفصائل الفلسطينية ممارسة نشاط عسكري محدود من الأراضي اللبنانية. لكن هذا الاتفاق:
* لم يُصادق عليه البرلمان اللبناني.
* تم إلغاؤه رسميًا بقرار صادر عن مجلس النواب عام 1987.
وبذلك، فقد الاتفاق شرعيته القانونية من منظور الدولة اللبنانية، وإن بقيت بعض بنوده تُطبق فعليًا بحكم الأمر الواقع في مناطق كانت خارجة عن سيطرة الدولة. لكن مع التحوّل الجاري اليوم باتجاه نزع السلاح، يمكن القول إن اتفاق القاهرة انتهى وظيفيًا وقانونيًا.
- خامساً: السلاح في المخيمات... وضع غير شرعي دستوريًا
ينص الدستور اللبناني على وحدة السلاح تحت سلطة الدولة. ووجود أي سلاح غير شرعي داخل الأراضي اللبنانية يُعد خرقًا مباشرًا لمبدأ السيادة. وبالتالي، فإن استمرار وجود السلاح داخل المخيمات الفلسطينية، في غياب نص قانوني يجيزه، يعتبر غير شرعي من الناحية القانونية والدستورية.
- سادساً: التحديات القانونية أمام التنفيذ
رغم الطابع التصالحي للمشاورات الجارية، إلا أن تنفيذ خارطة نزع السلاح يواجه معوقات قانونية وعملية، أبرزها:
* غياب نص قانوني صريح ينظم آلية التنفيذ.
* احتمال وقوع مواجهات ميدانية في حال تم تطبيق القرار بالقوة.
* الانقسام الفلسطيني الداخلي، الذي قد يحوّل الاتفاق إلى إجراء جزئي لا يعكس إرادة جميع الفاعلين المسلحين.
- سابعاً: توصيات قانونية لضمان التنفيذ الآمن والشرعي
لإنجاح هذه المبادرة وتحويلها إلى واقع مستدام، يُقترح الآتي:
1. تشريع قانون خاص من البرلمان اللبناني يضبط مراحل نزع السلاح وحقوق اللاجئين المدنية.
2. تشكيل لجنة أمنية وقانونية مشتركة تضم ممثلين عن الدولة اللبنانية، السلطة الفلسطينية، ومراقبين دوليين.
3. ربط سحب السلاح بتقديم ضمانات مدنية واقتصادية للاجئين الفلسطينيين.
4. تحصين الاتفاق بآلية دستورية (كقرار من مجلس الوزراء أو المجلس الأعلى للدفاع) تمنحه طابعًا إلزاميًا محليًا.
- خطوة نحو السيادة... بشرط
في ضوء التطورات الحالية، تمثل خارطة الطريق لنزع السلاح الفلسطيني فرصة قانونية لإعادة فرض السيادة اللبنانية ضمن إطار من التفاهم السياسي. لكنها لن تتحول إلى إنجاز فعلي إلا إذا صيغت ضمن أدوات دستورية واضحة، وضُمنت بمشاركة الأطراف المعنية كافة، ما يُخرج المبادرة من خانة التفاهمات السياسية المؤقتة إلى خانة الالتزام القانوني الملزم.
- أولاً: زيارة بصيغة الرسالة
أثارت الزيارة الرسمية الأخيرة للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت موجة من التكهنات حول تحول نوعي في العلاقة اللبنانية – الفلسطينية، خصوصًا بعد تسريبات عن وجود مشاورات متقدمة تهدف إلى تنظيم نزع السلاح من داخل المخيمات الفلسطينية، بدءًا من بيروت وانتقالًا تدريجيًا إلى باقي المناطق، بما فيها مخيم عين الحلوة ومخيمات الجنوب.
هذه التسريبات لم تُترجَم بعد إلى اتفاق رسمي أو موثق، إنما دارت التصريحات حول تفاهم شفهي أو خارطة طريق مبدئية، ما يطرح تساؤلات جدية حول المرتكز القانوني لهذه المبادرة، ومدى قابليتها للتطبيق ضمن النظام الدستوري اللبناني، في ظل تشعّب الأطراف الفلسطينية وتعدد المرجعيات المسلحة.
- ثانياً: في غياب الإعلان الرسمي، هل يوجد "اتفاق" فعلي؟
حتى تاريخه، لم يصدر أي إعلان رسمي عن توقيع اتفاق ملزم بين الدولة اللبنانية والرئيس محمود عباس (بصفته ممثلًا للسلطة الفلسطينية). ويترتب على هذا الواقع القانوني أن ما يُتداول حاليًا لا يتجاوز، في أفضل الأحوال، مرحلة التفاهم السياسي غير الملزم قانونًا.
من منظور القانون اللبناني، لا يُعتد بأي اتفاق يتعلق بمسائل سيادية – كملف السلاح – ما لم يُعلن رسميًا ويوثق بمحضر قانوني، وقد يتطلب إقراره من قبل مجلس النواب. كما أن الطبيعة الحساسة للموضوع تستدعي غطاءً دستوريًا يوفّر شرعية داخلية لاتفاق من هذا النوع.
- ثالثاً: من يمثّل الفصائل؟ حدود التمثيل القانوني
تشكل أحد أبرز الإشكالات القانونية في أن السلطة الفلسطينية لا تمثّل جميع الفصائل المسلحة داخل المخيمات، لا سيما حركتي حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من التنظيمات التي لا تعترف بشرعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد.
وبالتالي، فإن أي اتفاق يوقّعه محمود عباس لا يُلزم هذه الأطراف قانونًا، ما يهدد بظهور "فراغ اتفاقي" على الأرض، يعطل التنفيذ الفعلي أو يضع الدولة اللبنانية في مواجهة جزئية مع أطراف غير موقعة.
- رابعاً: اتفاق القاهرة 1969... من التجميد إلى الانتهاء
لطالما استند الوجود المسلح الفلسطيني داخل المخيمات إلى اتفاق القاهرة (1969)، الذي أتاح للفصائل الفلسطينية ممارسة نشاط عسكري محدود من الأراضي اللبنانية. لكن هذا الاتفاق:
* لم يُصادق عليه البرلمان اللبناني.
* تم إلغاؤه رسميًا بقرار صادر عن مجلس النواب عام 1987.
وبذلك، فقد الاتفاق شرعيته القانونية من منظور الدولة اللبنانية، وإن بقيت بعض بنوده تُطبق فعليًا بحكم الأمر الواقع في مناطق كانت خارجة عن سيطرة الدولة. لكن مع التحوّل الجاري اليوم باتجاه نزع السلاح، يمكن القول إن اتفاق القاهرة انتهى وظيفيًا وقانونيًا.
- خامساً: السلاح في المخيمات... وضع غير شرعي دستوريًا
ينص الدستور اللبناني على وحدة السلاح تحت سلطة الدولة. ووجود أي سلاح غير شرعي داخل الأراضي اللبنانية يُعد خرقًا مباشرًا لمبدأ السيادة. وبالتالي، فإن استمرار وجود السلاح داخل المخيمات الفلسطينية، في غياب نص قانوني يجيزه، يعتبر غير شرعي من الناحية القانونية والدستورية.
- سادساً: التحديات القانونية أمام التنفيذ
رغم الطابع التصالحي للمشاورات الجارية، إلا أن تنفيذ خارطة نزع السلاح يواجه معوقات قانونية وعملية، أبرزها:
* غياب نص قانوني صريح ينظم آلية التنفيذ.
* احتمال وقوع مواجهات ميدانية في حال تم تطبيق القرار بالقوة.
* الانقسام الفلسطيني الداخلي، الذي قد يحوّل الاتفاق إلى إجراء جزئي لا يعكس إرادة جميع الفاعلين المسلحين.
- سابعاً: توصيات قانونية لضمان التنفيذ الآمن والشرعي
لإنجاح هذه المبادرة وتحويلها إلى واقع مستدام، يُقترح الآتي:
1. تشريع قانون خاص من البرلمان اللبناني يضبط مراحل نزع السلاح وحقوق اللاجئين المدنية.
2. تشكيل لجنة أمنية وقانونية مشتركة تضم ممثلين عن الدولة اللبنانية، السلطة الفلسطينية، ومراقبين دوليين.
3. ربط سحب السلاح بتقديم ضمانات مدنية واقتصادية للاجئين الفلسطينيين.
4. تحصين الاتفاق بآلية دستورية (كقرار من مجلس الوزراء أو المجلس الأعلى للدفاع) تمنحه طابعًا إلزاميًا محليًا.
- خطوة نحو السيادة... بشرط
في ضوء التطورات الحالية، تمثل خارطة الطريق لنزع السلاح الفلسطيني فرصة قانونية لإعادة فرض السيادة اللبنانية ضمن إطار من التفاهم السياسي. لكنها لن تتحول إلى إنجاز فعلي إلا إذا صيغت ضمن أدوات دستورية واضحة، وضُمنت بمشاركة الأطراف المعنية كافة، ما يُخرج المبادرة من خانة التفاهمات السياسية المؤقتة إلى خانة الالتزام القانوني الملزم.