مسيحيّو الجنوب يترقّبون... "مين قال خلصت الحرب؟"
06 Jun 202515:30 PM
مسيحيّو الجنوب يترقّبون... "مين قال خلصت الحرب؟"

جوانا فرحات

المركزية

 

في خطاب القسم، تعهّد رئيس الجمهورية جوزاف عون بأن يكون ملف إعادة إعمار القرى والبلدات التي تهدمت وتضررت خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان في أولوية أجندة العهد. وفي البيان الوزاري أيضا كان تركيز على مسألة إعادة الإعمار. لكن الكلام والتعهد شيء، والتنفيذ شيء آخر، وعلى ما يبدو فإن ملف الإعمار دخل أدراج "الإنتظار" لأنه يرتبط أولا وآخيرا بمسألة التزام لبنان تطبيق القرار 1701 وسحب سلاح حزب الله. وحتى الآن لا يبدو أن الدولة تعمل وفق الأجندة الدولية لاعتبارات داخلية والثمن هذه المرة سيكون أكثر كلفة سواء على البشر أو الحجر.

أمس وخلال لقاء رئيس الحكومة نواف سلام رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، قال الأخير إن الحديث تركز على موضوع إعادة الإعمار"ولعل سلام تفاجأ ببعض النقاط التي طرحناها" وكشف أنّه تم الاتفاق على "خطوة ستحصل بعد الأعياد على الأقل"، من دون الخوض في التفاصيل.
 وبالإبتسامة التي دخل فيها إلى اللقاء خرج ليؤكد على رفض "الربط بين نزع سلاح المقاومة وملف إعادة الإعمار والأمور تُبحث في أوانها وبشكل تدريجي وموضوعي".

بالنسبة إلى أركان العهد، فإن ملف الإعمار أولوية وطنية، لكن الإشكال يكمن في مدى القدرة على تنزيله على أرض الواقع في غياب الاهتمام الدولي. وعلى رغم التعهدات الكلامية والخطوات الإجرائية، إلا أن ثمة شكوكا في إمكان تحقيق ذلك ما لم يلمس المواطنون المتضررون تحركات فعلية على الأرض، وهو ما لا يبدو متاحا حاليا، في غياب القدرة على سد الفجوة التمويلية التي تقدر بالمليارات من الدولارات.

ثمة من يتكلم بإسم القرى المدمرة لكن تجربة حرب 2006 كانت مريرة وتحديدا على أهالي قرى الشريط الحدودي المسيحية، حيث وقفت المساعدات على عتبة بيوتهم ولم ينل أصحاب المنازل المتضررة والأراضي الزراعية المنكوبة ولو فلس الأرملة. فهل تتكرر التجربة؟

رئيس بلدية رميش المنتخب حديثا حنا العميل يقول لـ"المركزية" إن المعطيات لا تزال ضئيلة في شأن مسألة إعادة إعمار أو التعويض على الأهالي لا سيما أصحاب الأراضي الزراعية التي تضررت بشكل كبير موضحا أن مجلس الجنوب زار البلدة وكشف على حجم الأضرار فيها سواء في البيوت والبنى التحتية والأراضي الزراعية ونأمل خيرا.
وعن إمكان تكرار تجربة 2006، يؤكد العميل أن هذا الأمر مستبعد "ففي حال تأمنت المساعدات التي ستأتي من الدول المانحة لأن الدولة عاجزة عن تحمل الكلفة الباهظة جدا سيتم توزيعها بالتساوي. مع ذلك لا يمكن الحكم على الشيء قبل حصوله لكن نأمل خيراً وسنتابع الموضوع مع مجلس الجنوب والمرجعيات الرسمية المسؤولة.

وهل ثمة مساعدات مادية من قبل جمعيات أو جهات كنسية؟ يجيب العميل: "الكنيسة لم ولن تترك أبناءها لكن الملف أكبر من ذلك والدولة هي المسؤولة ونأمل أن تتأمن الأموال المطلوبة".

تعيين رئيس الجمهورية جوزاف عون، علي حمية، وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة نجيب ميقاتي، مستشار الرئاسة لشؤون إعادة الإعمار أثار الكثير من الجدل الشعبي لكن الخشية كانت من أن يكون تعيينه مقدمة لإنهاء مهام مجلس الجنوب. هذا في السياسة، أما على الأرض فيؤكد مرجع روحي في إحدى البلدات الحدودية أن الأضرار في القرى المسيحية تتفاوت بين الكبيرة والمتوسطة لكن في الحالين المسألة تتطلب أموالا ولا أحد قادر على دفع اي مبلغ لترميم منزله أو محله التجاري. ويلفت إلى أن الأضرار الكبيرة تتركز في الأراضي الزراعية وحتى اليوم لم يحصل شيء على الأرض باستثناء عمليات المسح التي يجريها مجلس الجنوب في انتظار رفع الأنقاض التي تحولت إلى تجارة مربحة بحيث يصار إلى تفتيت الباطون وبيع كميات الحديد بمبالغ كفيلة بالتعويض على سكان المنزل كبدل إيجار.

الذين صمدوا في قراهم طيلة فترة الحرب يدفعون الثمن مرتين "خلال حرب تموز استقبلنا مئات العائلات من القرى الشيعية وهذا واجبنا كإخوة، لكن لم يسأل أحد عن الخسائر التي تكبدناها. اليوم هناك قرى مسيحية متضررة ولو بشكل متفاوت والأهالي ينتظرون المساعدات. إلى متى؟ الأكيد أن أحدا من أهالي قرى الشريط الحدودي المسيحية لن يسكت عن حقه هذه المرة، علما أن هناك معلومات تم تداولها عن دفع الحزب تعويضات مالية للأهالي الذين دمرت منازلهم بالكامل راوحت بين 4000 و12 ألف دولار كبدل إيجار في انتظار البدء بعملية الإعمار، وقد نال عدد من العائلات المسيحية في القرى المختلطة ومنها يارون وصفد البطيخ وبرعشيت وتبنين حصتهم من هذه المساعدات وتولت جمعية جهاد البناء عملية مسح الأضرار ودخلت حتى إلى القرى المسيحية ومنها بلدة رميش.

لا تخفي المصادر أن المعاملة بالمثل تتم في القرى الحدودية المختلطة أولا لأن عددا من سكانها موجود في المجلس البلدي "ولا ننسى أن غالبية البلديات في الجنوب فازت بالتزكية أو انتخبت بدعم من الثنائي وهناك إصرار للحفاظ على شعار العيش المشترك".

وكما في الحرب كذلك في السلم، يقول مواطن في إحدى القرى التي صمدت على رغم تضرر البنى التحتية فيها، واستحالة الدخول حتى اليوم إلى الأراضي الزراعية خوفا من تعرض المزارعين للرصاص أو لغارة من مسيرة. والمفاجأة أنه يتم التعامل مع الأهالي الذين صمدوا في بلداتهم وقراهم وأمنوا المسكن البديل للنازحين من القرى التي كانت تتعرض للقصف الإسرائيلي المباشر وكأنه لم تمر عليهم مأساة الحرب سواء في تسديد قيمة فواتير الهاتف والكهرباء التي كانت مقطوعة بشكل دائم وغدا قد يقولون لنا كلفة الترميم على نفقتكم الخاصة".

بالعزيمة نفسها التي واجه بها أهالي القرى المسيحية على طول الشريط الحدودي خلال الحرب، ثمة إجماع على عدم مغادرة أراضيهم ومنازلهم حتى لو تجددت الحرب "بس مين قال خلصت الحرب؟"، يقول أحدهم "الحرب مستمرة طالما هناك عمليات اغتيال يومية وهذه أخطر من حرب الإستنزاف لأن لا أفق دولي ولا من يردع أو يوقفها".