السيارات "العمومية" المزوّرة
18 Sep 201306:43 AM
السيارات "العمومية" المزوّرة

محمد نزال

الاخبار
باتت كل سيارة، في الآونة الأخيرة، مشروع انفجار محتمل. لكن ثمة سيارات تحمل لوحات عمومية (حمراء) مزوّرة، تعمل على خط بيروت ــــ الضاحية الجنوبية، يمكن اعتبارها آليات جرائم متنقلة. الدولة غائبة كالعادة، والحجة المعهودة «نقص العديد». السائقون العموميون «الشرعيون» يناشدون الدولة الاستفادة من الاجراءات الامنية لضبط هذه الظاهرة
لا يحتاج سائق الأجرة في لبنان إلى سبب حتى يبث شكواه. شخصية نمطية، كأن الشكوى في أصل تكوينها. فماذا لو أعطيت سبباً وجيهاً لذلك؟ يمكن القول إن ما من راكب أجرة، في منطقة بيروت وضواحيها، إلا سمع سائقاً يردد: «متى يضعون حداً لتلك اللوحات المزوّرة؟ أين الدولة؟!». تجده «يُفضفض» لركابه، وهم، غالباً، لا يحتاجون إلى همّ إضافي. لكنهم سيجدون أنفسهم يستمعون، وهو سيكمل حديثه، بغضّ النظر عن تفاعلهم معه أو عدمه.

كثيرون من السائقين ما عادوا يعملون على خط بيروت ـــــ الضاحية. ما عادوا يحتملون رؤية سيارات، بلوحات بيضاء لا حمراء، أي مزوّرة، تأخذ من دربهم ربحاً هم أحق به. المزوّرون لا يدفعون أي ضريبة، بل لم يتكلفوا عناء شراء لوحة حمراء سعرها ملايين الليرات، ومع ذلك يكسبون مثلهم مثل السائق الشرعي. مشهد بلا شك سيصيب كل «شرعي» بالإحباط.
أكثر من ذلك، طالما ذكرت تقارير أمنية عن جرائم، كان أبطالُها سائقين عموميين مزيّفين، تحرشوا واغتصبوا وسلبوا بقوة السلاح. لا يمكن تعقّب هؤلاء، حتى لو تمكن المعتدى عليه من حفظ رقم لوحة السيارة، لأن الرقم غير موجود لدى هيئة إدارة السير، أو مسجّل باسم شخص آخر.
وقد بات هؤلاء «يتفنّنون» في تزوير اللوحات. بعضهم يطلون اللوحة الأمامية باللون الأحمر. عندما يراها الراكب سيعتقد أنها سيارة عمومية، شرعية، ولكن عندما يصل إلى مقصده وينزل من السيارة سينتبه إلى أن اللوحة الخلفية بيضاء اللون. آخرون، ممن لديهم قدْرٌ أكبر من الوقاحة، يتركون اللوحة البيضاء من الأمام ومن الخلف علناً، لكنهم مع ذلك يضعون على سقف السيارة إشارة «تاكسي». وإن كان لديه عمل في العاصمة، ينزل تلك الإشارة. لكن ما إن يدخل إلى الضاحية تجده يعيدها إلى مكانها، كأنه على اقتناع بأنّ ما من أحد سيحاسبه هناك.

الاجراءات الأمنية وفرصة «التطهير»

في الواقع، تنتشر اللوحات العمومية المزوّرة في أكثر من منطقة، تحديداً في الأطراف، ولكن في بيروت لن تجدها إلا في الضواحي. وهي موجودة، بأكبر عدد، في الضاحية الجنوبية لبيروت. الآن ثمة حواجز أمنية للجيش والامن الداخلي وحزب الله على مداخل الضاحية، هدفها ضبط السيارات المفخخة، بعد انفجاري بئر العبد والرويس. بعض سائقي السيارات العمومية، يطالبون الدولة ان تنتهز هذه الفرصة الذهبية لضبط ظاهرة السيارات العمومية المزورة، بالتعاون مع البلديات، وتوقيف كل سيارة تحمل لوحة حمراء مزوّرة، أو حتى لوحة بيضاء يرفع صاحبها إشارة «تاكسي» علناً. وإحالة هؤلاء على القضاء المختص.
كان يمكن القوى الأمنية، تحديداً مفرزة السير التابعة لسرية الضاحية، أن تُبادر إلى هذه الخطوة منذ زمن بعيد. لكنها، لسبب غير مفهوم، سلّمت للأمر الواقع وتعاطت مع الضاحية على أنها مساحة خارج إطار الوطن. ليس لدى المسؤولين الأمنيين ما يجيبون به سوى عبارة: «ليس لدينا ما يكفي من عديد للقيام بهذه المهمة؛ إذ لا يصل عديد شرطة السير في الضاحية إلى 100 عنصر، علماً بأنها منطقة واسعة ومكتظة وتحتاج إلى ما لا يقل عن 300 عنصر». جواب القوى الأمنية، الرسمي، مليء باليأس والإحباط. الجدل الاساسي حول هذه الظاهرة المتفاقمة ينطلق من الظروف الاقتصادية السيئة للمواطنين وعدم قدرتهم على شراء لوحات عمومية، لكن الظرف الامني الراهن، والخوف من تمرير المتفجرات عبر هذه السيارات، يشكل فرصة لانفاذ القانون وانصاف السائقين المرخصين الذين دفعوا ثمن الفوضى والنكد السياسي. هذا الواقع يدفع هؤلاء إلى المطالبة باستغلال الحالة الراهنة، لـ«تنظيف الضاحية من تلك السيارات المزورة، ما سيكون مردوده إيجابياً على الضاحية وأهلها، إذ ستنخفض نسبة الجرائم وتصبح سيارات الأجرة أكثر أماناً، بل أيضاً يمكن عد هذه السيارات بمثابة مفخخات محتملة طالما أنها خارج أي قيد أو قانون، وبالتالي لا بد من توقيفها». هذه النصيحة يقدمها «أبو حسين» لكل من يهمه الأمر. هو سائق الأجرة الستيني العتيق، الذي بات يشعر بـ«قرف من واقع هذه المهنة».

سيارة و«فان» وقضاء

كم يبلغ عدد السيارات التي تحمل لوحات عمومية مزوّرة؟ ليس لدى رئيس اتحاد النقل البرّي، عبد الأمير نجدة، إجابة واضحة عن هذا السؤال، ولكنها «يمكن أن تكون ضعف السيارات الشرعية». بالنسبة إلى نجدة، الجواب صعب؛ لأنّ «البلد فلتان على الآخر، فهذه السيارات غير الشرعية يمارس أصحابها الزعرنات على بنات الناس، وكذلك التشليح والسلب والسرقة، وكل هذا يُلصق بصورة السائق العمومي... لقد عقدنا الكثير من اللقاءات مع القوى الأمنية المعنية وشرطة السير تحديداً، واجتمعنا بوزير الداخلية أيضاً، وطلبنا منهم التشدد في ضبط السيارات المخالفة، ولكن لم نصل إلى نتيجة. صحيح أن كل يوم يُسجل ضبط من 20 إلى 30 سيارة من هذا النوع، ولكن ذلك لا يكفي، لا بد من حملة واسعة يكون عنوانها محصوراً بمكافحة اللوحات المزورة والتعدي على مهنة السوق العمومية، التي تنعكس على صورة البلد من سياحة وأمن واستقرار».
بحسب نجدة، يبلغ عدد اللوحات العمومية للسيارات الشرعية 33 ألفاً و500 لوحة، إضافة إلى 4000 لوحة «فان» (ميني باص) و2236 لوحة «فان» كبير (سعة 32 راكباً وما فوق). أما عدد الشاحنات التي تحمل لوحات عمومية شرعية فيبلغ 15100. التزوير ليس مقتصراً على السيارات، بل ينسحب على كل هذه الآليات العمومية، فمثلاً، «الفانات» الصغيرة التي تعمل حالياً على الأرض يبلغ عددها 16 ألفاً، وذلك من أصل 4 آلاف تحمل لوحات شرعية! يكفي هذا الرقم للإشارة إلى الفلتان والفوضى في هذا القطاع. إضافة إلى ذلك، يشكو نجدة «الأجانب الذين يعملون على سيارات الأجرة المزورة، وهؤلاء خارج أي قيد، وإذا ارتكبوا أي مخالفة أو جريمة، فلا يمكن بأي طريقة الوصول إليهم... السوريون حالياً، بعد الأزمة في بلادهم، يأتون في طليعة هؤلاء». لكن ما يثير الدهشة، وما يستدعي إجابة من وزارة العدل والقضاء، هو السيارات المخالفة التي إذا أُوقفت «تُعاد إلى صاحبها، المخالف أصلاً بجرم التزوير، وذلك بعد دفعه قيمة ضبط الغرامة المحررة ضده... أي إنّ الدولة تتعامل معه كأنه سائق شرعي خالف مخالفة بسيطة، بدل أن تطبق عليه حكم التزوير المنصوص عليه في قانون العقوبات!».