مطر في ذكرى حبيقة: أمن الكهرباء بصورة ما زلنا عن مثلها عاجزين
26 Jan 201916:58 PM
مطر في ذكرى حبيقة: أمن الكهرباء بصورة ما زلنا عن مثلها عاجزين
أحيت عائلة الوزير والنائب السابق ايلي حبيقة، الذكرى السابعة عشرة لاستشهاده ورفاقه فارس سويدان وديمتري عجرم ووليد زين، بقداس ترأسه راعي ابرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر، عاونه فيه لفيف من الكهنة في كنيسة مارت تقلا - الحازمية.
وألقى مطر عظة قال فيها: "نجتمع اليوم في هذا المعبد المقدس لنصلي معا في مناسبة الذكرى السابعة عشرة لغياب الوزير إيلي حبيقه ورفاقه الأعزاء، فارس سويدان وديمتري عجرم ووليد الزين، ونسأل الله تعالى رحمة واسعة لهم في ديار خلده، وعزاء حارا لأهلهم ولمحازبيهم الذين ما زالوا يكتوون بنار المصيبة التي أوقعت بأحباء قلوبهم شر المظالم. ونحن جميعا ما زلنا مصدومين بهذا الاغتيال الرهيب، الذي جاء تعبيرا عند مقترفيه عن اعتمادهم القوة المادية وفرض الآراء بالغصب دون أي انفتاح على التلاقي والعيش الإنساني السموح. كان الوزير إيلي حبيقه صورة عن جيل كامل دخل أتون الحرب أو أدخل فيه بواقع الظروف القاهرة. وهو حاول أن يخرج من هذا النفق المظلم إلى نور الحياة وأن يجد لهذا الأمر سبيلا، لكن المحيط الذي كان الجو العام لم يكن بعد قد وصل إلى زمن السلم المنشود، والقلوب كانت تخفق للنفور من الآخر أكثر منها لقبوله وللعيش معه في جو من المحبة والرضى. ولئن كنا في لبنان قد تخطينا اليوم، والحمد لله، زمن العنف القاتل والحرب البغيضة بين الأخوة وبين أهل الوطن الواحد والدين الواحد، إلا أننا ما زلنا تحت تأثير منطقة محيطة وقعت في مثل هذه الشرور ولما تنهض بعد إلى نعمة السلام والخير العميم".
أضاف: "في مثل هذه الظروف لا يغيب عن بال أحد أن للسلم أثمانا ندفعها، ولكنها أثمان مفتدية للحياة، كما أن للحرب أثمانا ندفعها، وبخاصة للحرب بين الإخوة والأهل وبين القوم الواحد والدين الواحد، وهي تؤدي إلى خسارات لا توصف وإلى إجراء سيل من الدماء في غير موضعها وإلى تضييع الفرص مجانا وإلى التقهقر على مستوى البنيان الإنساني والحضاري الشامل. فالوزير إيلي حبيقه كان في هذا السياق رجلا تميز بين الرجال بطاقات العطاء الوفير للوطن كما للمواطنين. فمن لا يذكره مسؤولا في دولة ما بعد الطائف يحمل وزاراته في قلبه قبل أن يضع وزرها على كتفيه، ويولي شؤون الناس اهتماما حثيثا داعيا إياهم إلى الانخراط في عملية المصالحة والسلام. وتدبر أمر الكهرباء وتأمينها للبلاد بصورة ما زلنا في زمننا الحاضر عن مثل هذا التأمين عاجزين. وفي طرفة عين يسرق الإجرام حياة الرجل ويلغي بإلغائه طاقة وازنة للتقدم في وطن لا يأبه الأشرار بأن يموت من نزف جراحه لا سمح الله ولا أذن بذلك".
وتابع: "هذا الواقع الأليم، واقع خسارة الشهداء تلو الشهداء منذ أربعين سنة ونيف إلى الآن يدفع ضمائرنا دفعا إلى عمل المستحيل من أجل خلاص البلاد من محنتها، فتعرف الاستقرار من جديد وتتصالح مع الحياة والخلق والإبداع وتصل بأهلها إلى الوفاق الشامل والعيش الهنيء. فهل يعقل أن نصل في البلاد إلى مثل هذا المأزق في تأليف حكومة لها جديدة؟ وهذه الحكومة ليست غاية بل هي وسيلة لخدمة شعب لبنان بكل أطيافه وبكل حاجاته. فهل انتفت الروح الأخوية عندنا، كي نتخطى الحسابات الضيقة بين الإخوة والمصالح الصغيرة؟ الإخوة يتعاملون بعضهم مع بعض على قاعدة أسمى من المساواة. إذ يتخلى الأخ من بعض حقه لأخيه ليسكن السلام في قلبيهما ويثبت بين جدران البيت الواحد. فإذا قررنا نحن الإخوة اللبنانيين أن ننحو مثل هذا المنحى فإن الحكومة تتألف بيوم واحد ولا حاجة لأكثر من هذا اليوم الواحد لكي تبصر النور. وإذا نظرنا إلى الخارج، ندرك تأثيره علينا، فإننا نراه اليوم مصابا بما أصيب به لبنان من قبل، وقد أخذت هذه المصيبة أبعادا دولية إضافية".
وقال: "نأسف كل الأسف لما آلت إليه الأمور في كل من هذه البلدان الشقيقة أو الصديقة. إذ تعثرت الحياة الوطنية فيها لا بسبب القيام بواجبها في صد العدوان عنها من قبل المعتدين على حقوق العرب وعلى أرضهم في فلسطين، بل بسبب فقدان التعامل الحسن بين الأطياف داخل هذه الدول وبصورة لا تليق بالأديان التي تؤمن بها. إن أدياننا تأمر بالمحبة وبالتعارف حتى بين البعيدين، فكيف إذا كان الأمر متعلقا بالأهل والقريبين؟ لم يكن مسموحا بالأساس، وليس مسموحا اليوم، بعد أن أمعن التاريخ تغييبا للأخوة وتشويها لها، أن تستمر حال التفسخ في مجتمعاتنا على ما هي في هذه الأيام العصيبة. إن رفع السلاح من أخ في وجه أخيه لهو من المحرمات البديهية فكيف إذا كان الوحي بشأنها واضحا كالشمس. وهل يخفى على أحد أن اللجوء إلى السلاح يأتي نتيجة مباشرة لوقف التخاطب الوثيق بين أهل الجماعة الواحدة وبين كل جماعة وجماعة أو حتى بين كل فرد وفرد؟ فلماذا نقبل استبدال الكلمة السواء أو كلمة الحياة بالسلاح الذي يخلق العداوة ويعمقها بين الأهل، ليسقطوا في تجربة الفناء والإفناء على ما نراه بأم عين حزينة دامعة؟ حيال هذه المعضلة الضاربة في محيطنا الواسع، لن يكون لنا اطمئنان كامل في الداخل، حتى ولو حاولنا النأي بالنفس عما يجري حولنا من حروب وصراعات. فلبنان ليس برجا عاجيا منفصلا عن هموم المنطقة وعن محاولاتها لإنقاذ ذاتها. بل على العكس فإن تجربته الحضارية بالعيش معا قد أصبحت رسالته السامية تجاه الدول والشعوب المحيطة لتحذو حذوه وتفيد من خبراته".
أضاف: "من أجل لبنان ومن أجل المنطقة كلها، ندعو إلى مزيد من الحوارات المعمقة لا بين المسيحيين والمسلمين وحسب بل أيضا بين المسلمين والمسلمين كما بين المسيحيين والمسيحيين، وحيثما تدعو الحاجة إلى ذلك. فما يصيبنا من رفض للآخر أو خوف منه وكره له إنما هو وليد أزمة حضارية متأتية من الابتعاد عن الرسالات الأصيلة للديانات أو من استعمال خاطئ وتفسيرات خاطئة للدين بما يدغدغ المشاعر الآنية ليس إلا. ولنقم بما نستطيع القيام به من اعتماد روح الأخوة والعيش بظلها. وإن بقيت بعض الأمور عصية على تفسيرنا البشري فإن الله قد وعد بأن يحلها لنا في يوم القيامة".
وتابع: "بالعودة إلى وطننا الحبيب لبنان، نحن لا نراه شاة بيضاء في قطيع أسود، ولا يجب أن يراه أحد وكأنه شاة سوداء في قطيع أبيض. بل نريده جميعا في خدمة إخوانه العرب حضاريا، وبخاصة في ما يتعلق بالمواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، وبالحرية المرتقية إلى حرية الرأي والضمير، دون نظر إلى الطائفة والمذهب لأي من أبناء هذه البقعة من العالم. ونسأل بعد ذلك قائلين: لو كان الشرق كله سالكا في هذا السبيل فهل كانت وقعت حرب لبنان أو غيرها من حروب الإخوة من بلداننا الشقيقة؟ هل كان استشهد الوزير ايلي حبيقه ورفاقه على هذه الصورة من العنف الموصوف؟
وختم مطر: "إذا أردنا أن نتجنب مثل هذه المآسي في المستقبل فلنسع جميعنا وكل في مجال عمله وتأثيره من أجل حضارة المحبة والسلام، فهي أسمى من تلك التي نعرفها اليوم، ولسوف تجمعنا هذه الحضارة على أحسن مما جمعتنا العقود الاجتماعية كلها. فالله نسأل أن يلهمنا سواء السبيل، وأن نندرج في عملية إصلاح مجتمعاتنا ودولنا باسم حضارة الأخوة المحبة التي نؤمن بها. وليرحم الله وزيرنا إيلي حبيقه ورفاقه في دار النعيم، وليمنح أهلهم ومحازبيهم بلسم العزاء، وليعطكم جميعا أن تذوقوا طعم سلامه الإلهي وأن توفقوا في مساعيكم من أجل لبنان، ساكبا على كل منكم فيضا من نعمه وبركاته".
بعد ذلك، تقبلت العائلة العزاء من الحاضرين.