كتب رضا صوايا في "الأخبار":
مع اقتراب الصيف من نهايته، تمتلئ «النمليّات» وخزانات المونة في المنازل الجبليّة بمراطبين المربيات والزيتون والمكدوس والكبيس وقوارير ماء الورد وماء الزهر وتنك زيت الزيتون.
الأسباب نفسها التي كانت تدفع الناس إلى التموّن في الماضي عادت لتنتج نفسها من جديد. صعوبة التنقل حينها ووعورة الطرقات والظروف المناخية القاسية التي كانت تعزل المناطق بعضها عن بعض كانت تجعل من التزوّد بالمواد الغذائية بشكل يومي مهمة شاقة. «ما أشبه اليوم بالأمس»، تقول «أم شربل». اليوم، أيضاً، «نخزّن المونة بسبب عدم القدرة على التنقل. صحيح هناك سيارات، لكن لا يوجد بنزين، وإن وجد فبكلفة عالية. وفي كل مرة يحذّروننا من إقفال الأفران وانقطاع الخبز. لذلك خزنت كل المكونات الضرورية لتحضير الخبز في المنزل في حال الضرورة».
على غرار «أم شربل»، تؤكد كثيرات من ربات المنازل أن المونة خيار مثالي في ظل أزمة الكهرباء، كون «المونة المجففة تصمد لمدة طويلة ولا تحتاج إلى ثلاجات. في الفترة الماضية، ما من أحد لم يضطرّ الى رمي كميات كبيرة من المأكولات بعد فسادها بسبب انقطاع الكهرباء». غير أن الأزمة الاقتصاديّة أدت الى رفع كلفة إنتاج المونة إلى معدلات قياسية، ما حرم الكثير من العائلات من تحضير المونة للاستهلاك الشخصي بسبب عدم القدرة على شراء متطلباتها... إلا لمتطلبات الـ«بيزنس». فقد كان تحضير المونة سابقاً حاجة أكثر منه تجارة. لكن مع اشتداد الأزمة الاقتصاديّة، أصبح تحضير المونة وبيعها يستهويان أعداداً متزايدة من الأفراد، نساء ورجالاً، شيباً وشباباً، بهدف توفير مداخيل إضافية بأدوات إنتاج بسيطة.
يؤكد مجدي سلمان، صاحب إحدى مؤسسات المونة، أن «عدد النساء اللواتي يعملن في تحضير المونة ارتفع بشكل كبير. كثيرات من ربات المنازل كنّ يحضّرن المونة فقط لعائلاتهن وفي إطار ضيق، يجدن في بيع المونة فرصة لتحقيق مداخيل جيدة». ويوضح أن «الطلب زاد رغم ارتفاع الأسعار أضعافاً. فغطاء المرطبان سعة 3 كيلوغرامات قفز من 500 ليرة إلى 5 آلاف ليرة. ومرطبان المكدوس الذي يزن كيلوغراماً زاد من 40 ألف ليرة الى 80 ألفاً. والزبائن بمعظمهم من سكان السواحل الميسورين».
يشرح نقولا مزنر، المتخصص في تطوير العلامات الخاصة والماركات أن «كثيرين من مختلف الفئات والأعمار باتوا يلجأون إلى تحضير المنتجات الغذائية وتسويقها وبيعها. كل من يشعر بأنه يملك موهبة أو وصفة غذائية مميزة يحاول استثمار موهبته وتقريشها. وكثيرون ممن يدخلون هذا المجال ليسوا بالضرورة عاطلين من العمل، بل هم موظفون يحاولون تأمين مورد رزق إضافي. والتسويق بات سهلاً وغير مكلف هذه الأيام عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ودورنا يكمن في مساعدة من يرغب منهم في تطوير عمله والتوسع وتسويقه بشكل احترافي».
تؤكد ميرفت سركيس، صاحبة أحد المتاجر الذي يعرض منتجات غذائية ومونة منتجة محلياً أن «الطلب هذا العام زاد بنسبة 25% تقريباً. فمع دخول ماركات جديدة إلى السوق، لم يعتد اللبنانيون عليها بعد، والتخوف من مدى جودتها، بات كثيرون يفضّلون العودة إلى المأكولات الصحية الخالية من المواد الحافظة والمحضّرة منزلياً». فيما يلفت مزنر الى أن «هذا الوقت المثالي لتسويق منتج معيّن ومحاولة الدخول إلى السوق. لم يعد هناك، بسبب الأزمة، ولاء للماركات العالميّة المعروفة بحكم ارتفاع أسعارها. اليوم المعادلة تغيّرت. الكثير من الماركات الجديدة المستوردة أو المنتجة محلياً ذات الكلفة المعقولة تغزو السوق، وفي حال كان سعرها تنافسياً ومذاقها جيداً سيعتاد المستهلكون عليها ويطلبونها».
يشير جو أنطون، صاحب إحدى المؤسسات، الى أن «الكلفة ارتفعت بشكل كبير جداً مقارنة بالعام الماضي». فسعر «سطل» اللبن سعة 5 كيلو زاد من 20 ألف ليرة الى 75 ألفاً، وسعر كيلو السكر ارتفع من 3 - 4 آلاف ليرة الى 16 - 18 ألفاً. سعر كيلو باذنجان المكدوس زاد من 750 ليرة الى 6000، وكيلو الجوز من 50 ألفاً الى 150 ألفاً، عدا عن كلفة المحروقات والغاز. «كنا نتعامل مع شركة توصيل لتأمين الطلبيات للزبائن، وكانت كلفة التوصيل إلى المناطق اللبنانية كافة بـ 8 آلاف ليرة، وهي اليوم 35 ألف ليرة». أما أكثر المنتجات التي شهدت ارتفاعاً خيالياً في الأسعار فهو «الكشك الذي زاد سعر الكيلو من 50 ألف ليرة العام الماضي الى 200 ألف بسبب ارتفاع سعر البرغل من 5 آلاف ليرة الى 18 ألفاً، إضافة إلى الارتفاع في أسعار اللبن».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك