كتبت صفاء درويش في موقع mtv:
عاملان أساسيان أدخلا تعديلًا على الهوية السياسية للساحة السنية منذ العام 2018: القانون النسبي وغياب الحاضنة الإقليمية للزعامة السياسية لآل الحريري التي دامت لحوالي ثلاثين عام خلت.
انطلاقًا من هذه القاعدة، خلطت أوراق القوى السنية على الأرض، لا سيما في الأشهر الأخيرة، حتى بات المشهد التمهيدي لإنتخابات آذار المقبل معقّدًا وغير واضح المعالم. إلّا أنّ ما يبدو ثابتًا ومن الصعب أن يتغيّر هو أن السنّة في لبنان دخلوا مرحلة اللامركزية في القرار السياسي، حتى باتت كل منطقة تنتج زعامتها على حدة، رغم التداخل في ما بينها.
في استعراض للقوى السياسية يأتي تيار المستقبل أوّلًا، ومن ثمّ جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش)، وتليها بنسبة أضعف الجماعة الإسلامية. هذه القوى الثلاث يمكن اعتبارها عابرةً للمناطق، فتتواجد في بيروت وصيدا واقليم الخروب وطرابلس وعكار والبقاع الغربي وبعلبك الهرمل والعرقوب في مرجعيون حاصبيا. بعد ذلك تأتي القوى المناطقية التي تشكّل حالات لا يمكن تجاوزها في مناطقها.
في بيروت يبدو أن الإتجاه العام يقضي بعدم التحالف بين أي من القوى السنية الثلاث، اذ أنّ تيار المستقبل لا يجد أي مصلحة بالتقارب مع الأحباش، وكذلك مع الجماعة الإسلامية. فالتيار الراغب بعدم استفزاز المملكة العربية السعودية، لا بل الساعي لإعادة المياه إلى مجاريها، لا يمكن له أن يضم ممثلًا عن الجماعة في لائحته على اعتبار أنّ تركيا هي مرجعيتها الإقليمية، وهو الأمر الذي حصل عام 2018.
هذه المعطيات تفيد بأنّ الدائرة الثانية في بيروت ستشهد تنوّعًا باللوائح يشبه العام 2018، حيث ستنكفئ بعض الشخصيات التي حصلت على نسبة متدنية جدًا من الأصوات لصالح دخول المجتمع المدني بصورة أجرأ اضافة لحضور طيف بهاء الحريري في المدينة، على أن يحافظ النائب فؤاد المخزومي على حضوره ساعيًا لتعزيزه.
أمّا في صيدا، فيبدو أن النائب أسامة سعد لن يتحالف مع قوى الثامن من آذار هذه المرة، بل سيشكّل لائحته بالتعاون مع "قوى الثورة". في هذا الإطار ينفي مصدر مستقبلي أن يكون "التيار" يفكّر بالتحالف مع أسامة سعد، رغم علاقة الإحترام المتبادل التي تجمعه مع النائب بهية الحريري.
في البقاع الغربي، لن تكون المعركة هذه المرة شبيهة بمعركة 2018. فتيار المستقبل يسعى للتقارب مع حزب الإتحاد، الذي بدوره لم يحسم أمره بانتظار تبلور المشهد، لا سيما وأن اللائحة في هذه الدائرة تتكوّن من أفرقاء قد لا يوافق الجميع على تواجد المستقبل فيها.
في اقليم الخروب المشهد قريب من بيروت، لا سيما وأن المستقبل سيفتقر لوجود حلفاء اساسيين، إلّا في حال تخلى عن هواجسه الإقليمية وتقارب من جديد مع الجماعة الاسلامية، التي تملك قدرة تجييرية كبيرة في منطقة الشوف، بوسعها رفع الحاصل على أي لائحة تتواجد فيها.
أمّا طرابلس، وهي قد تكون العاصمة السنية الأولى، فيصحّ وصف المعركة الإنتخابية فيها بأم المعارك. في المدينة قوى سياسية متنوعة جدًا، تبدأ برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ولا تنتهي مع الأحباش، مرورًا بدارة آل كرامي وتيار المستقبل والوزير السابق محمد الصفدي والوزير السابق أشرف ريفي اضافة لعدد من الحركات الإسلامية. حتى الساعة لم يُحسم شكل المعركة، ولكن الأكيد أن المستقبل سيسعى للتقارب مع تيار العزم ومحمد الصفدي لتشكيل لائحة وازنة بوجه لائحة الثامن من آذار التي من المفترض أن يترأسها النائب فيصل كرامي على أن تضم ممثلًا عن الأحباش. نهائية المشهد تنتظر موقف الرئيس ميقاتي، لجهة حسم ترشحه من عدمه، ولجهة القرار بالتحالف أو التخاصم مع تيار المستقبل في الدائرة.
عكار والمنية والضنية ستحذو جميعها حذو طرابلس، اذ أن التحالفات التي تشهدها المدينة تنطبق بشكل شبه كلي على المنطقة الممتدة من طرابلس إلى الحدود السورية.
أمّا مقعد مرجعيون حاصبيا السني، والذي يشغله اليوم عضو كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم، فيبدو أنّ المستقبل لا يزال يستهدف امكانية الحصول عليه. في انتخابات 2018 ترشّح عماد الخطيب من دون تبنٍّ مستقبلي علني، وتمكن من الحصول على8000 صوت ولكن لائحته لم تبلغ الحاصل الذي وصل في حينها إلى 22000. هذه المرة يبدو الأمر مشابهًا، فانتزاع المقعد من الثنائي شيعي في منطقة ذات اغلبية شيعية يكاد يكون صعبًا نوعًا ما.
في المحصّلة، يبدو أن المستقبل سيخوض الإستحقاق منفردًا، ولأن الساحة السنية لا تزال تبحث عن زعيم فعلي، قد يبقى المشهد صبيحة انتخابات 2022 على حاله كما اليوم، مع تسجيل بعض الخروقات وبعض التغيير في الأسماء.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك