كتبت كارولين عاكوم في "الشرق الأوسط":
منذ أحداث الطيونة، الخميس الماضي، التي قتل فيها متظاهرون موالون لـ«حزب الله» وحركة «أمل»، ارتفعت أصوات مسؤولين في «حزب الله» تحمل القوى الأمنية، لا سيما الجيش، مسؤولية ما حصل بشكل مباشر أو غير مباشر، ليعود ويعلن وزير الدفاع موريس سليم رفضه مطالبات بعضهم بإقالة قائد الجيش جوزيف عون، مثنياً على «عمل المؤسسة العسكرية».
والاتهامات للجيش، لجهة تقصيره بمهمته، بدأت مع انتشار مقطع فيديو لجندي يطلق النار باتجاه المتظاهرين، وصولاً إلى توجيه النائب في «حزب الله» حسن فضل الله سؤالاً إلى القوى الأمنية بالقول: «لماذا عندما نضع أمننا بعهدة القوى الأمنية يسقط لنا شهداء؟»، وهو ما يرى فيه بعضهم محاولات من الحزب لإضعاف هذه المؤسسة، في وقت تؤكد فيه مصادر مقربة من الحزب لـ«الشرق الأوسط» أن المطالبة بإقالة قائد الجيش أمر غير مطروح بتاتاً في الوقت الحالي بالنسبة إلى الحزب.
وعن الحملة ضد الجيش، تقول مصادر سياسية مقربة من قيادة الجيش لـ«الشرق الأوسط»: «كل فترة، تبدأ حملة ضد الجيش وقائده، وهذا دليل على أنه يعمل على مسافة واحدة من كل الأطراف». وسألت من يطالبون بإقالته: «هل تقبل أو توافق مرجعيتهم السياسية على هذا الأمر؟».
وحول أحداث الطيونة، تؤكد المصادر أن «الجيش كان قد قام بواجباته، واستقدم تعزيزات، وكان موجوداً في الوسط بين الطرفين»، مع تأكيدها أن «التحقيقات مستمرة، وسيعلن عنها عند الانتهاء منها».
وعن إطلاق الجندي النار باتجاه المتظاهرين، تذكر المصادر أن «الجيش أعطى إنذاراً بأنه سيطلق النار على أي مسلح، وهناك احتمال لأن يكون أحد العسكريين أطلق النار، وبالتالي لا يمكن محاسبة كل عسكري يكون في هذا الوضع»، علماً بأنه سبق للجيش أن أعلن أن العسكري مُطلق النار يخضع للتحقيق تحت إشراف القضاء المختص.
وفي إطار الحملة ضد الجيش وانتقاده على لسان المسؤولين في «حزب الله» الذي دعا إلى مظاهرة الخميس، مع حليفه «حركة أمل»، بدا لافتاً أن الأخيرة نأت بنفسها عن هذا الانتقاد، واكتفى مكتبها السياسي، في بيانه أمس، بالتشديد على «ضرورة قيام الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية بدورها في توقيف كل الفاعلين والمتورطين والمحرضين، وإنزال العقوبات بهم».
وهذا الأمر يؤكد عليه النائب قاسم هاشم، في كتلة التنمية والتحرير (حركة أمل)، إذ يقول لـ«الشرق الأوسط»: «ما ظهر في مقطع الفيديو بات ملك الرأي العام والأجهزة الأمنية لتحقق بما حصل، وتكشف عن النتائج»، مؤكداً: «نحن حريصون على المؤسسة العسكرية، وأكثر من يدافع عنها، بصفتها ضامناً للوحدة الوطنية».
وعن المطالبة بإقالة العماد عون، يقول قاسم: «لم نقارب المسألة من هذه الزاوية، ونرفض استهداف الجيش، وما حصل بات في يد الجهات المعنية».
وبدوره، يرفض وزير الداخلية السابق مروان شربل تحميل القوى الأمنية والجيش اللبناني مسؤولية ما حصل في منطقة الطيونة، مؤكداً أن المسؤولية تقع على الأطراف الثلاثة التي كانت موجودة على الأرض؛ أي «حزب الله» وحركة «أمل» وحزب «القوات اللبنانية»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «المضحك المبكي أن الجهات التي استخدمت السلاح في الطيونة جميعها في السلطة، وقد استخدمت سلاحاً غير تابع للدولة، وإذا بها تطالب الجيش أن يفصل بينها، في وقت هم أنفسهم -كما غيرهم من الأحزاب- يتحملون المسؤولية بسبب الخطابات السياسية المتشنجة التي أدت إلى هذه النتيجة. وعلى الرغم من ذلك، قام الجيش بواجباته على أكمل وجه، وهو الذي يعاني عسكريوه من تداعيات الأزمة الاقتصادية والمعيشية».
لكن في المقابل، يضع المحلل السياسي الأستاذ الجامعي مكرم رباح حملة «حزب الله» ضد الجيش في خانة محاولات إضعافه، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن لـ«حزب الله» مصلحة مباشرة في أضعاف الجيش «لأنه لا يزال المؤسسة الوحيدة التي تتلقى دعماً مباشراً من الغرب، وهو ما يحرجه، لأن ما يهمه هو الاستيلاء على الجيش عبر إفقار كل البلد»، واضعاً مواقف «حزب الله»، واتهامه الجيش فيما حصل في الطيونة، في سياق الحملة التي بدأها رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» هاشم صفي الدين، عندما قال قبل أسبوعين إن «الأميركيين يؤثرون في لبنان أمنياً وسياسياً ومالياً واقتصادياً... حتى الآن لم نخض معركة إخراج الولايات المتحدة الأميركية من أجهزة الدولة. ولكن إذا جاء اليوم المناسب، وخضنا هذه المعركة، فسيشاهد اللبنانيون شيئاً آخر».
ومن هنا، يعد رباح أن مواقف «حزب الله» مدروسة، في محاولات لـ«تطويق الجيش عبر التهديد والوعيد، أو عبر إفقاره وخلق بيئة موبوءة اقتصادياً تمنع هؤلاء العسكريين من الحصول على رواتبهم، وهذه هي الطريقة التي تعتمدها إيران في كل البلدان الموجودة فيها».
وكان وزير الدفاع موريس سليم قد رد على الانتقادات ضد الجيش بالتأكيد على أن القوى الأمنية قامت بواجباتها، مستغرباً وجود مطالبات بإقالة قائد جيش كالعماد جوزف عون. وأضاف سليم في حديث تلفزيوني: «ما حصل الخميس في الطيونة ليس كميناً، بل حادث مشؤوم»، لافتاً إلى أن «ظروف حصول الحادثة يبقى تحديدها للتحقيق الذي يعتمد على الوقائع والإثباتات التي تحدد المسؤوليات فيما جرى»، مؤكداً أن «الأجهزة الأمنية قامت بكل واجباتها، ومديرية المخابرات اتصلت -كما العادة- قبل التحرك بكل القوى السياسية في المنطقة، وكل الأطراف أكدت أن لا نية لأن يكون للمسيرة أهداف سلبية، أو أن هناك نية باعتراضها».
وفي معطيات الحادثة، قال: «إطلاق النار قد يكون حصل من أي مكان، ولا يمكن أن أجزم أو أن أنفي وجود قناصين. وهذا الأمر سيتبين في إطار التحقيق الذي ننتظر نتائجه»، مشيراً إلى أن «تحرك يوم الخميس واجه انحرافاً مفاجئاً إلى بعض الشوارع الفرعية، ما أدى إلى حصول الاشتباكات».
وقال: «أستغرب وجود مطالبات بإقالة قائد جيش كالعماد جوزف عون الذي حفظ البلاد، وواجه الإرهاب على الحدود والداخل. فقيادة عون للجيش أثبتت كفايته ونزاهته وصدقيته في الداخل والخارج، وهو يقوم بدوره بشكل مميز، والمطالبة بإقالته ظلم»، مشدداً على أن «الجيش في ظل هذه القيادة نموذج للوحدة الوطنية»، مؤكداً أن «التحقيق في حادثة الطيونة سيصل إلى نتائج، وسيحدد المسؤوليات، وسنكون ملزمين بإعلان النتائج».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك