كتب انطوان نجم في موقع mtv:
إنّ أفضل ما يساعد على تلاقي اللبنانيّين المسيحيّين والمسلمين ويضعهم، تدريجيًّا، على طريق التفهّم والتفاهم والتضامن إنّما هو ارتقاء عيشهم معًا القائم بحكم الواقع إلى عيش معًا تآلفي.
فمبقدار ما يسير اللبنانيّون في خطّ التلاقي والتضامن، يقتربون من المؤالَفَة convivance conviviality. وبمقدار ما يسيرون في خطّ المؤالَفة يتعمّق تلاقيهم وتضامنهم. وهكذا يغذّي هذان التوجّهان بعضهما بعضًا في حركة جدليّة مثرية.
فتحقيقًا لهذا الهدف النبيل، نحن في حاجة إلى مشاريع سياسيّة تآلفيّة توافقيّة إنمائيّة، لا إيديولوجيّة، مبنيّة على مبدإ "مصالح الجماعات الوجوديّة" أي وجود الجماعات ومصيرها واقتناعاتها الجوهريّة ورؤاها وكرامتها وحرّيّاتها وحقوقها وغير ذلك ممّا يعتبره شعور الجماعة العفويّ والعميق تجاه حدثٍ ما أو موقفٍ معيّن أو رأيٍ محدّد موافقًا لمصالحها الوجوديّة أو مسًّا بها وتعارضًا لا يمكن الجماعة أن تتجاهله أو تتساهل بشأنه أو تبقى من غير ردّة فعل سلبيّة تجاهه. وفي "ردّة فعل" الجماعة تعبير صريح عن مصلحتها الوجوديّة ومعيار يُركن إليه في سبر أغوار هذه المصلحة. ، تبني دولة يرتاح إليها اللبنانيّون جميعهم، سيّدة، حرّة، مستقلّة، مستقرّة ومزدهرة.
ومحور هذه المشاريع وجوهرها يكمنان في التسليم المتبادَل بالآتي:
إقرار المسيحيّين بحقِّ المسلمين في أن يتطلّعوا إلى أن يكون لهم حاكمٌ مسلم ونظامٌ مستمَدٌّ من الشريعة الإسلاميّة، وأَلّا يُحرَجوا في ما يتعارض وإيمانَهم الدينيّ.
إقرار المسلمين بحقّ المسيحيّين، وجميعِ المنادين بالعلمانيّة اقتناعًا، في أنْ يسوسهم نظامٌ غير مستمدّ من شريعة دينيّة، وليس فيه لا من قريبٍ ولا من بعيد أيُّ لون من ألوان الذِّمِّيَّة.
إقرار اللبنانيّين جميعهم بالتمسّك بروحيّة الميثاق الوطنيّ (1943) وروحيّة اتفاق الطائف (1989).
إقرار اللبنانيّين جميعهم بأن مرجِعهم في انتظامهم الدستوريّ المشترك -بالإضافة إلى النقاط الثلاث أعلاه- هو "الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان" الصادر عن الأمم المتّحدة وسائر الشّرعات الأمميّة المكمّلة له.
بهذا الإقرار الرباعيّ المنطلقات، وتطبيقًا له، تنتظم الدولة اللبنانيّة الواحدة على أساس مبدإ "الحلول المتناقضة" التي تعني حلولًا متعارضة في ما بينها تعارضَ اقتناعات وتصوّرات الذين تتوجّه إليهم وتقصدهم. ولكنّها تلبّي احتياجات كلٍّ منهم بطريقة خاصّة مناسبة. وتعني، أيضًا، تغليب الواقعيّة العقلانيّة على توتاليتاريّة الإيديولوجيّات، وانتصارًا على استبداديّة الواحديّة القائمة على تماثليّةٍ وهميّةٍ وقسريّة. إنّها حلولٌ واقعيّة لحقائق واقعيّة. فالتناقضات لا يُزيل "تفجّرها" إلّا الإقرار بحقيقتها وتعيين ما تستسيغه هي من علاج، لا ما يتخيّله لها الوهمُ والمحاكاة ، بحيث تُصان حريّات اللبنانيّين جميعهم، في أعماقها وأبعادها، ويتأمّن أمنهم، وتقوم مساواة سياسيّة وقانونيّة فعليّة حقيقيّة كاملة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص بين المسيحيّين والمسلمين أيًّا يكن عدد هؤلاء وأولئك.
أمّا الوصول إلى الاقتناع اللبنانيّ الوجدانيّ العامّ بالصيغة المنشودة فيقتضي، أساسًا، إيجاد أجيال سياسيّة مسيحيّة-إسلاميّة توافقيّة، تتّعظ من تجارب الماضي وتحيا دومًا خُلُقّية التزامها، تنبثق من أحزاب وحركات سياسيّة ثنائيّة-تعدّديّة التنظيم في القاعدة (انعكاسًا لتعدّديّة المجتمع اللبنانيّ التي هي ثنائيّة-تعدّديّة)، وجماعيّة القيادة في القمّة تحقيقًا لمشاركة متساوية في القرار، وتكون الديموقراطيّةُ التّوافقيّة والإنمائيّةُجوهرَ عناوينها وأشعرتها ومشاريعها. وبذلك يسير اللبنانيّون جميعهم في الطريق الصحيح في إطار عمل وطنيّ لبنانـيّ طوائفيّ توافقيّ مشترك. وبذلك، أيضًا، لا يُفترض أن يعود أحد يشعر لا بالغبن ولا بالخوف ولا بالقهر.
إنّني لعلى ثقة بأنّ بمثل هذا التصوّر، مع سبل وأساليب أخرى آنيّة ومتوسّطة المدى لا تناقض جوهرَه، نبدأ ببناء المستقبل المنشود ونربح أنفسنا على نحوٍ ثابت.
هذا ما أنصح به وأحثُّ عليه وألجّ اللّجاجة كلَّها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك