كتب ناصر زيدان في "الأنباء الكويتية":
من واجبات الدولة البديهية أن تحفظ أمن مواطنيها وتحمي مصالحهم وتسهر على تطبيق القوانين المرعية بالتساوي على الجميع. من هذه الزاوية يمكن مقاربة أهمية صيانة العلاقة التي تربط لبنان بدول الخليج العربي، حيث ان أكثر من ثلث اقتصاد البلاد يعتمد على هذه العلاقة من خلال العائدات الاستثمارية وقيمة الأعمال التي يجنيها نحو 400 ألف لبناني يتواجدون في هذه الدول، إضافة الى أهمية الأسواق الخليجية حيث تبلغ الصادرات السنوية اللبنانية اليها أكثر من 1.2 مليار دولار، ومجموع الاستفادة اللبنانية من دول الخليج خلال 20 عاما مضت تزيد على 70 مليار دولار.
ومن نافلة القول، إن ارتباط لبنان مع دول الخليج العربي لا يقتصر على تبادل المصالح، بل هناك روابط أخوية وعشائرية وانتماء قومي عربي واحد، وهذه الدول كانت على الدوام سندا للبنان إبان الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة عليه وفي أزماته الداخلية المتلاحقة، لاسيما من خلال الدور البارز الذي يلعبه مجلس التعاون الخليجي داخل جامعة الدول العربية وفي المنتديات الدولية.
ويمكن إدراج وقائع كثيرة على هذه المساندة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: احتضان الكويت للقمة الروحية لرؤساء الطوائف الدينية اللبنانية في فبراير 1988، ورعاية المملكة العربية السعودية لمؤتمر الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية عام 1989.
سقطة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي في تحليلاته الواهية حول أحداث اليمن، لم تكن هي السبب الوحيد لوصول منسوب التأزم بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي إلى هذه الحدود غير المسبوقة، بل انها ربما كانت النقطة التي أفاضت الكأس، لأن الكثير من الافتراءات الإعلامية صدرت من بيروت قبل ذلك، والحكومة اللبنانية لم تبادر إلى ردع الذين يشاركون باستهداف المملكة العربية السعودية على وجه التحديد، كما أنها لم تلتزم بالمعايير التي وضعت لمكافحة تهريب الممنوعات من لبنان او عبره، خصوصا المواد المخدرة، وكانت سلطات المملكة طلبت وضع آلات كاشفة متطورة على المعابر التي تمر منها الشاحنات إلى الخليج، ولم يتم وضع هذه المعدات (السكانرز) حتى الآن، ومحاكمة الذين يقفون وراء صفقة «الرمان المخدر» إلى مرفأ جدة والتي ضبطت في ابريل الماضي لم تحصل حتى اليوم، إضافة الى أن لبنان أصبح ورقة يستخدمها المناوئون لدول الخليج في المفاوضات الثنائية وغير الثنائية التي تحصل في أكثر من مكان.
والأنكى من كل ذلك أن معلومات نقلتها أوساط متابعة، أكدت أن التصريح النافر الذي أدلى به الوزير قرداحي قبل شهر من تشكيل الحكومة اللبنانية كان سببا رئيسيا في توزيره، مما يؤكد على نوايا سياسية خبيثة تستهدف دول الخليج، لاسيما أن قرداحي حصل على شهرته الإعلامية وثروته الشخصية من عمله في وسائل إعلام خليجية، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي تبنى دعم قرداحي، اعترف بأن الأخير لم يكن من عداد الأعضاء المنتسبين إلى تياره، في إشارة واضحة إلى وقوف أطراف أخرى وراء طلب توزيره.
قرداحي ومن يدعمه يتعرضون لحصار سياسي وشعبي لبناني واسع، وهو مجبر على تقديم استقالته من الحكومة، أو أنه سيقال منها، لكن خطر استقالة الوزراء المحسوبين على قوى الممانعة من الحكومة سيعرض التفاهمات التي حصلت في الصيف الماضي برمتها للخطر، وقد يكون نسف هذه التفاهمات المبتورة، هو الثمن المقبول من الأطراف العربية لفتح الأبواب أمام لبنان لإخراجه من المأزق المالي والمعيشي، ولاستعادة التوازن السياسي والاستقرار الأمني اليه، لكن الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا على وجه التحديد ترى أنه لا بديل حاليا عن التفاهمات القائمة، بانتظار إجراء الانتخابات النيابية في الربيع القادم. لكن الأخطار بدأت تواجه هذه الانتخابات ايضا، والواضح أن بعض القوى التي تهيمن على القرار اليوم لا تريد إجراءها في موعدها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك