كتبت جيسيكا حبشي في موقع mtv:
تُلاحق الازمات المُغتربين اللبنانيّين الى بلدان هربوا إليها مُكرهين بعدما ضاقت بهم سُبل العيش في وطنهم المُنازع. أينما حطّوا، صيتُ حكّامهم السيّء يسبقُهم. الكلّ يعرف عن لبنان، الكلّ يشتم السياسيّين فيه. الغريب قبل القريب.
يحرص المغتربون دوماً على متابعة الاخبار المحليّة في وطنهم الامّ. يعرفون عن كلّ شاردةٍ وواردةٍ وكأنّهم في لبنان. يزورون التّطبيقات الإخباريّة باستمرار، ويُشاهدون إعادة نشرات الاخبار إن فوّتوها في توقيتها. لا يسألون أفراد العائلة والاصدقاء عمّا يحصل في لبنان. فوطنهم في قلبهم وعقلهم ووجدانهم دوماً. يبحثون عن خبرٍ إيجابيّ هنا، وعن أملٍ في كلام مسؤولٍ "مسؤول" هناك، وجلّ ما يحصلون عليه، تصريحات تفعل فعل الصواريخ العابرة للقارات. تُصيبهم حيث هم، حيث ظنّوا أنّهم في أمانٍ.
يسمع المغتربون الكثير عن زعمائهم في الخارج. حتى هناك، يسترسل المواطنون من مختلف الجنسيّات بالحديث "براحة" عن السياسيّين اللبنانيّين. "حراميّة"، "مجرمين"، "سرّاقين"، صفاتٌ تُلصق بأسماء الحكام. لا يعرف المغترب بماذا يُجيب، وكيف يُحاور ويحلّل في السياسة في بلد هو ضيفٌ فيه. يهزّ رأسه حيناً، وينظر نحو الارض حيناً آخر، ثمّ يُحلّق صوب السماء سائلاً ربّه: "حتّى لهون لاحقينّا؟"
أثّرت الازمة الاقتصادية كثيراً على المُغتربين خصوصاً الجُدد منهم. الرواتب التي تُعرض عليهم متدنية جدّاً، وتصل الى 800 دولار في الشّهر. الطّلب كبير على الاعمال والوظائف في الخارج. هناك من يقبل بهذا المبلغ الذي لا يكفي بدل إيجار غرفة في بلدان الخليج العربي، فالبطالة في أرض الوطن مُذلّة أكثر من "السّخرة" في الخارج. هناك، الكلُّ يعرف جيّداً أن اللبناني هو ضحيّة فساد حكامه، يتعاطفون معه، يشفقون عليه، يسألونه عن أهله، عن انقطاع الدواء، وعن تقنين الكهرباء، وعن الزّعماء الاغبياء.
كلمة "بهدلة" تصف ما يعيشه المهاجر من لبنان. ليس في معناها المادي، وإنما في وجهها النفسي. ففي وقت كان يفتخر فيه اللبناني بأصله وتحصيله العلمي ومعالم وطنه، ويدعو كلّ من يقابله في الخارج الى زيارة لبنان، بات يخجل اليوم بهويته، ليس لانه فقد حسّ الانتماء، بل لانّ هناك من وضع رأسه عنوة في الارض وشرّده وأذلّه وأفقر عائلته من على كرسيه في جمهورية لبنان العظيمة، حيث الوزراء يُجيدون استعمال ألسنتهم كالاسلحة، تماماً كبعض زعماء الطوائف الذين يتباهون بترسانتهم ويجرّبونها في الشوارع وبين المنازل والمدارس.
طُلب من الوزراء الجُدد بعد تشكيل الحكومة أن يُقللوا في الكلام وأن ينكبّوا على العمل. لم يعرف صاحب هذا التعميم أن الكلام ما قبل هو تماماً كالكلام ما بعد. لا معمودية عند دخول جنّة الحكومات، ولا صفح عن الخطايا الصغيرة والكبيرة في الماضي. في السياسة يا ساسة، كلّ شيء يُسجّل، تماماً كما سوف يُسجِّل لكم التاريخ "حُسن" اختيار الوزراء. من أين تأتون بهم؟
قلقٌ وخوفٌ ويأسٌ، بعضٌ ممّا يشعر به كلُّ مغتربٍ في بلدان الخليج. يخافُ أن يعود إلى عائلته قريباً فارغ اليدين. يصحو كلّ يوم في غربته، يرتشف قهوته المُرّة، يقرأ بعض الاخبار، يلبس قميصه الابيض بسرعة ويهبّ الى عمله، ولا ينسى أنّ يسمع بعض الاغنيات الوطنيّة وهو يقود سيارته... "لو هالدني سألت منيك إلّن إنّك لبناني". يبتسم بسخرية: "هالمرّة لأ..."
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك